إن أحق الناس بذم الدنيا وقلاها من بسط له فيها وأعطي حاجته منها، لأنه يتوقع آفة تغدو على ماله فتجتاحه أو على جمعه فتفرقه أو تأتي سلطانه من القواعد فتهدمه أو تدب إلى جسمه فتسقمه أو تفجعه بمن هو ضنين به من أحبابه وأهل مودته.
فالدنيا أحق بالذم هي الآخذة ما تعطي الراجعة فيما تهب.
بينما هي تضحك صاحبها إذا أضحكت منه غيره!
وبينما هي تبكي له إذ بكت عليه!
وبينما هي تبسط كفه بالإعطاء إذ بسطتها بالمسألة.
تعقد التاج على رأس صاحبها اليوم وتعفره بالتراب غدا.
سواء عليها ذهاب ما ذهب وبقاء ما بقي.
تجد في الباقي من الذاهب خلفا، وترضى من كل بدلا، فأصبحت كالعروس المجلوة: فالعين إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة والنفوس لها عاشقة.
وهي لأرواحهم قاتلة فلا الباقي بالماضي معتبر ولا الآخر بما أصاب الأول منزجر ولا العارف بالله -حين أخبره عنها- مدكر.
فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغتر وطغى ونسي المعاد فشغل فيها لبه حتى زلت به عنها قدمه وعظمت ندامته وكثرت حسراته واجتمعت سكرات الموت إلى حسرات الفوت بغصته فذهب بكمده ولم يدرك منها ما طلب ولم يرح نفسه من التعب فخرج بغير زاد وقدم على غير مهاد.
* أخبرني أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الفقيه بالمغرب -لفظا بالإسناد، وكتب لي بخطه- قال:
صفحه ۱۵۹