بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
ناشر
مكتبة الآداب
ویراست
السابعة عشر
ژانرها
شر"، فالوجه تفظيع شأن الشر بتنكيره كما سبق"١.
هذا كلامه، وهو مخالف لما ذكره الشيخ عبد القاهر٢؛ لأن ظاهر كلام الشيخ فيما يلي حرف النفي القطع بأنه يفيد التخصيص مضمرا كان أو مظهرا، معرفا أو منكرا من غير شرط، لكنه لم يمثّل إلا بالمضمَر، وكلام السكاكي صريح في أنه لا يفيده إلا إذا كان مضمرا أو منكرا بشرط تقدير التأخير في الأصل، فنحو: "ما زيد قام" يفيد التخصيص على إطلاق قول الشيخ، ولا يفيده على قول السكاكي، ونحو
١ من أن التنكير قد يأتي للتعظيم، وبهذا يجمع بين قولهم بتخصيصه وقوله بعدمه. فقولهم بالتخصيص مبني على جعل التنكير للتعظيم، والمعنى: شر عظيم أهر ذا ناب لا شر ضعيف، فيكون التخصيص في الوصف لا في جنس الشر، ويكون له فائدة، وقوله بعده: التخصيص مبني على عدم إرادة ذلك من التنكير، فيكون التقديم عنده لتقوية الحكم فقط.
٢ من يرجع إلى كلام السكاكي في "المفتاح" يرى أنه حاكى عبد القاهر فيما يفيده تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي، فقد رأى في النكرة أن البناء عليها لا يفيده إلا التخصيص كما يرى عبد القاهر، ولم يخالفه إلا في توجيه ذلك بما لا يؤثر في موافقته له، وقد رأى فيما يلي حرف النفي ما يراه عبد القاهر، فلا يصح عنده مثله: "ما أنا رأيت أحدا" ولا: "ما أنا رأيت إلا زيدا"، وكذلك لا يصح عنده: "ما زيدا ضربت ولا أحدا من الناس" ولا: "ما أنا ضربت زيدا ولا أحد غيري" فالمضمر والمظهر عنده في ذلك سواء؛ ولهذا لم يذكر شرط تقدير التأخير فيما يلي حرف النفي، ولا يوجد في كلامه ما يشعر بحمله على المثبَت في هذا الشرط، وقد رأى في المعرف المثبت أنه يحتمل التخصيص وتقوية الحكم كما يرى عبد القاهر، ولكنه يرى أن البناء على المظهر ليس كالبناء على المضمر في احتمال هذين الاعتبارين على السواء، فهو لا ينفي فيه الاختصاص؛ بل يبعده. ولعل عبد القاهر لم يمثّل إلا بالمضمر كما ذكر الخطيب؛ لضعف اعتبار التخصيص في المظهر، ولعل الخطيب أشار بقوله: "لأن ظاهر كلام الشيخ ... إلخ" إلى أنه يمكن الجمع بينهما.
فالحق أنه لا خلاف بين عبد القاهر والسكاكي في ذلك كله إلا في التوجيه فقط، والخلاف في التوجيه لا يؤثر في اتفاقهما على ذلك بشيء، وما كان أغنى الخطيب عن التطويل بما طوّل به في هذا الموضع!!
1 / 119