والتأبّي عن قبول أخبار الآحاد = عند التحقيق هو: نَبْذُ السنن كُلِّها.
وفي تقرير ذلك يقول: (فأما الأخبارُ فإنّها كلها أخبار آحاد؛ لأنه ليس يوجد عن النبي ﷺ خَبَرٌ من رواية عَدْلين، روى أَحدهما عن عَدْلين، وكل واحد منهما عن عَدْلين، حتّى ينتهي ذلك إلى رسول الله ﷺ. فَلمَّا استحال هذا، وبَطَل = ثَبَتَ أَن الأَخبار كُلَّها أَخبار آحاد. وأَنّ من تنكَّب عن قبول أخبار الآحاد، فَقَد عَمَدَ إلى تركِ السُّنَنِ كُلِّها؛ لعَدَمِ وجود السُّنن إلا من رواية الآحاد) (^١)
فإذنْ؛ لم يبق من جِهة الواقع إلا السنة الآحادية التي تُقرِّر معاني القرآن، وتُبِينُ عن معناه تبيانًا مفصلًا يرفع عما كان محتملًا الاحتمال = لذا عَمَد المعتزلة إلى سَلْب هذه الأَخبار العلميةِ؛ ليتلطّفوا في إهدار الاحتجاج بها.
وبالجُملة: فكلُّ مَن نَفى إفادة خبر الآحاد العلمَ مطلقًا؛ ومِن ثَمَّ التَّأبِّي عن قَبُولِ الاحتجاج به في أُصول الدين = فإنه متأثر في الأَصل بمادةٍ اعتزاليةٍ أدّته إلى هذه النتيجة.
وبطلان هذه النظرة التقويضية للوحي، يتأتَّى عَبْر طرائق ثلاثٍ:
الأولى: الكشف عن المطابقة بين وحي القرآن وبين وحي السُّنّةِ.
الثانية: الإبانة عن بطلانِ إهدار الاحتجاج بالسنة الآحاديةِ.
الثالثة: الإبانة عن فساد سَلْب العلمية عن أخبار الآحاد.
الطريقة الأولى: الكشف عن المطابقة بين وحي القرآن وبين وحي السنة في الاعتقادات.
إِنَّ الاتِّساق والمطابقة بين القرآن وبين السُّنَّة الثَّابتة الصحيحة؛ من