وخرجت أوجستينا وبقيت الملكة تحدث نفسها: ويلاه، الأزمة تشتد، وهذه الخبيثة أوجستينا تزيدها وقدا بلؤمها، لم يبق للتسويف نفع، يجب بت الأمر عاجلا قبل أن يحدث الكسوف إن كان وقوعه مؤكدا، ويجب تدارك الويلين ولو بالتملص من سلطة الهيكل.
ثم فتحت الباب الأوسط المؤدي إلى حجرة أمها، ونادت أمها، فلبت الأم في الحال، فبادرتها قائلة: أماه، في فمك فصل الخطاب إذا خففت من غلوائك، ورجعت بتذكاراتك إلى أيام صباك، أيام ثورة الطبيعة البشرية. - لقد كنت في صباي أشد صلابة مني في شيخوختي العمياء، فلا تستنجدي بشيخوختي الهامدة، ولا تنتظري مني تحبيذا لخطة خرقاء.
فتنهدت الملكة لشدة غمها، وقالت: لقد دبرت خطة أسلم بها وهي أن أترك أفريدوس لرحمة الهيكل؛ لأن الكهنة يعطفون بعضهم على بعض، وإنما أود أن أمهد للأمر بالتشفع به لدى رئيسة الكاهنات أولا. - خطة لا بأس بها، ربما كانت أسلم عاقبة من أي خطة أخرى. - ولكن الأمة ثائرة، وأود تهدئتها ريثما أسترضي الهيكل على أفريدوس، وأوجستينا تنصح لي على أن أشرف على جمهرة الأمة من شرفة القصر، وألقي فيها كلمة لتهدئة ثائرها، فما تكون الكلمة يا أماه؟ - حاذري أن تشرفي على الأمة وهي متجمهرة ثائرة؛ لأن الجمهور مجنون فاقد العقل والاتزان، أرسلي حكمتك إلى الأمة بلسان رئيسة حكومتك أمازونيا، ولتلقها أمازونيا باستخدام سلطتك الشرعية بتؤدة وحكمة. - وماذا تكون كلمتي يا أماه؟ - الوعد. - أي وعد أستطيع تنفيذه؟ - الوعد الكاذب الذي لا تريدين أن تبري به يا ساذجة، وما هو إلا هدنة ريثما يسكن ثائر الأمة، لكي يتسنى لك أن تنفذي خطتك. - بأي وعد كاذب أستطيع أن أملك هدنة اليوم فقط. - بوعد أن تسلمي الأمة غريمها لكي تفتك به. - ويحي من وعد يتزلزل به هيكل عظامي، أشكر رأيك يا أماه. - ولكنك لن تبري بالوعد، متى سكن ثائر الأمة نفكر بخطة.
وقادت الملكة أمها إلى باب حجرتها وأدخلتها فيها، ثم استدعت جورجيا كاتبة أسرارها، وأمرتها أن تستدعي أمازونيا رئيسة الحكومة.
7
وقبل أن تلبي أمازونيا الدعوة استدعت أفريدوس من حجرة السر، وقالت: لم يبق عندي من خطة إلا الفرار يا عزيزي، فلنستعد له حالما تفرنقع المتجمهرات ونختلس الطريق في أول الليل.
فابتهج أفريدوس وقال مرحا: لقد انتصر الحق على الباطل، كيوبد إله حق، إله الطبيعة الفياضة بالسعادة والهناء.
فقالت الملكة: ولكن الشمس ستنكسف قبل مجيء أول الليل، وعندها يحل الويل، فما التدبير؟ - عندي التدبير، فمهلا قليلا.
وعندئذ نقر الباب، فأسرع أفريدوس إلى حجرة السر، وأذنت الملكة فدخلت جورجيا، وقالت: إن السيدة أمازونيا جاءت من تلقاء نفسها. - فلتدخل.
فدخلت أمازونيا، وانحنت لجلالة الملكة، فبادرتها الملكة بالسؤال: ما وراءك؟ - تحرج الأمر يا مولاتي، لم يعد في وسعي ضبط الأمن، الأمة ثائرة تريد القضاء على الخونة قبل أن تنزل ويلات غضب الإلهين حين يقترن القمران.
صفحه نامشخص