فقالت وكأنها لا تفهم ماذا تقول، وجالت كالمجنونة: أيمكن أن يكون هذا قضاء الهيكل؟ - يا للمكر، أتعزين هذه النقمة لقضاء الهيكل، وأنا ماثل في دار قضائك أستوحي كيوبد إلهي أن يلهمني أجوبة التمويه التي لا تستفيد منها سيدة القضاء شيئا يقرب الظن إلى الملكة.
فقالت وقد لطمت خديها وتركت كفيها عليهما: وا حرباه أهو الغدر الغشوم أم غضب الآلهة؟ - لا هذا ولا ذاك، وإنما أتخمت الملكة من وليمة الحب، فرامت أن تغير ألوان الطعام، فقذفت بالبقية الباقية من طعام الوليمة إلى دار القضاء لكي تحرقها هذه في فرن الإجرام. - صه، كفى تقريعا لي في إبان أزمتي ويأسي. - وي! أزمة؟ حبيب الملكة العزيز بالأمس أذل المجرمين اليوم، وهو يهيأ ليقدم أضحية على مذبح الانتقام من ملاك الغرام.
صمتا عن هذا العتاب المر، كيف اعتقلت وعهدي بك في قصر الصيد تنتظرني. - إذا كنت غبيا صابرا على وعدك لموافاتي إلى قصر الصيد فقلبي ليس غبيا، ولا يطيق صبرا. وإذا كان جسمي طينة حقيرة لا تشعر بالذل، فنفسي سماوية لا تحتمل الهوان. وإن كانت سلالتك ملكية، فسلالتي الكهنوتية ليست أحط منها. ما كان إقصائي عنك يكلفك سوى إعراضة واحدة، فلا تعودين بعدها ترين وجهي إلى أن أقضي بداء غرامي المبرح. - ويك، حسبي هذه الكارثة، فلماذا تضاعف وقرها على نفسي بهذا التقريع؟ قل أين اعتقلت؟ - على جسر نهر ترمودون. - وكان القمر ...؟ - في إبان خسوفه.
فترنحت الملكة وهي تقول: ويحي، ويحي، الويل، الويل ... ما الذي جاء بك إلى الجسر، وقد أمرتك أنت تنتظرني في قصر الصيد. - القلق عليك والشوق إليك. - الشوق فهمته، والقلق لماذا؟ - لأني فهمت أنك عدلت عن الصيد، فخفت أن يكون قد ألم بك حادث سوء. - لم أقل لأحد إني عدلت عن الصيد، فما الذي أقام الشك في ذهنك بوعدي أن أوافيك؟ - سيدونيا حارسة القصر، وكانت أول من لمحت إلى عدولك عن الصيد بدعوى طروء مشاغل سياسية.
فقاطعته الملكة: تبا لها، كيف تقول هذا ولم أوعز به لها ولا لأحد؟ - طبعا رابني قولها، فبرحت مدعيا لها أني ماض إلى الصيد، ومؤكدا لها أني سأعود مساء حتما. ولكني توجهت إلى جهة العاصمة أتنسم أخبار الحقيقة عن قدوم حاشيتك، فما رحلت مرحلة إلا تسقطت من أنبائك خبر عدولك عن الصيد. وما زلت أتقدم وأتنسم هذا الخبر بعينه إلى أن وقعت في الفخ الذي نصبته لي على الجسر، حيث اعتقلتني 4 شرطيات شاهرات الخناجر البراقة علي، وجردنني من سلاحي، وجئن بي إلى السجن، فماذا تظنين يخطر لي سببا لاعتقالي؟
وكانت الملكة شديدة الاضطراب والحنق، وقالت: ولكني أرسلت ملدافي بعدك لكي تؤكد لك أني ذاهبة إلى قصر الصيد، على قصد أن أتأكد أنك منتظرني، فعلمت ملدافي من ميدونيا أنك متغيب في الصيد فتركت لك معها خبر إزماعي على الذهاب إلى القصر، وإيعازي بأنك تبقى فيه منتظرني. فلو رجعت أدراجك لوجدت أوامري مطمئنتك. فلا أدري كيف تسرعت.
وتفجعت باضطراب شديد وهي تقول: الويل الويل الويل.
وأفريدوس لا يفهم ما معنى هذا الويل؛ لأنه لم يعلم بخبر نبوءة الهيكل، ولا رامت الملكة أن تنفره بهذا الخبر. فقال حينئذ: أي ويل أعظم من أن أفهم أنك أوعزت باعتقالي؛ لأن وعدك الكاذب باللحاق بي لم ينجح في إقصائي.
فصاحت الملكة كالمجنونة: الويل الويل. وا فجيعتاه! لم أقل إني عدلت عن الصيد، فكيف انتشرت هذه الإشاعة الكاذبة؟ لا ريب أنها من تدابير الإله لكي تتم نبوءة الهيكل، فوا حرباه وا نكبتاه!
وما زال أفريدوس لا يفهم سر هذا التفجع والويل، فقال: ماذا كانت نبوءة الهيكل؟ لم تخبريني بها. - يا للهول، كانت عبور رجل على الجسر حين خسوف القمر.
صفحه نامشخص