الرطوبة ندى على الأزاهر.
ولا يخفى على القارئ من سياق هذا الحديث أن الراهبة والوزيرة هما على رأي واحد؛ ولهذا يستلذان هذا الحديث ، ولهذا هما صديقتان تتساران بعض الأحيان. فقالت ملفينا مزكية قول وزيرة القضاء ضاحكة: ولذلك نرى الغرام دائم التقاطر هناك على أزاهر القلوب، أليست هذه طبيعة الحباحب - أي سراج الليل - لا ترى عشاقها في ضياء الشمس الباهر، بل في ضياء غرامها تحت جنح الظلام؟
فقالت أوجستينا مستطيبة هذا السجال الشعري: إذن حيث لا تقع أشعة الشمس تتلاقى قلوب العشاق تحت أشعة الغرام، فلماذا تلام؟
فقالت ملفينا جادة: إذا ضعفت أشعة شمس الدولة عند الحدود، فهل يضعف صوت الشريعة الزاجر؟ - بل قولي صوت الطبيعة الآمر. - إنما فارس الشريعة نشأ لكي يكبح جماح جواد الطبيعة، هذه حكمة الآلهة في صيانة قوى الأمة الأمازونية.
فقالت أوجستينا محتجة: حاشا للآلهة أن ترتكب حكمة هوجاء كهذه، إذ لا فائدة من القوى المحبوسة، أيبلغ الجواد إلى آخر شوطه وهو حبيس في إسطبله، لا بد من إطلاق قواه لبلوغ هدفه، والطريقة القويمة لتصريف القوي هي الحب.
فقالت ملفينا مناقشة: يجب أن يكون الحب تحت سلطة القانون؛ لأنه مسراف نزق متهور. - وتنازع الحياة يستلزم النزق والإسراف والتهور، فلا حياة بلا حب.
ويحك الحب عدو استقلالنا، لو اعتنقنا عقيدتك هذه لوقعت بنطس فريسة للأعداء.
فقالت أوجستينا هازئة مقهقهة: حبذا الأعداء! من هم الأعداء، أليس أقرب قبيلة لنا قبيلة جاريجاريا؟ وفيها آباؤنا وإخوتنا وبنونا، وقد ازدحمت بالذكور الذين نلدهم ونرسلهم إلى آبائهم، وقلت عندهم الإناث، وازدحمت بنطس بالإناث اللواتي نلدهن ونستبقيهن، فإذا غزانا أهل جاريجاريا كنا نحن مفترساتهم لا هم مفترسينا. - الويل لك، أتريدين أن نفترس أقرب الناس إلينا؟ - وما قولك إذا كانوا يغتبطون كل الاغتباط بهذا الافتراس؟
فقالت ملفينا متبالهة: يا لك من مماحكة! أيغتبطون في أن تكون بنطس معارك أبطال تتدقق فيها دماؤهم كالأنهار؟
فثارت أوجستينا مازحة: أي نعم، يغتبطون في أن تكون بنطس معارك غرام تتدفق قلوبها بدماء الحب.
صفحه نامشخص