14
وأما هيوم نفسه فيصف نفسه في كتابه «حياتي» فيقول: «إنني رجل، بل الأقرب إلى الصواب أن أقول إني كنت رجلا ذا مزاج معتدل، وضبط للعاطفة، وفكاهة صريحة مرحة محببة إلى نفوس الناس؛ وكان في مستطاعي أن أخالط الناس، لا أثير العداوة ولا تثيرني، وتتميز حياتي العاطفية كلها بالاعتدال فحتى حبي للشهرة الأدبية، الذي كان محور حياتي العاطفية كلها، لم يؤد بي إلى مرارة النفس أبدا على الرغم مما كان يصيبني من إخفاق آنا بعد آن؛ ولم تكن صحبتي كريهة لمن كانوا في مقتبل أعمارهم مستهترين أو من كانوا ذوي جد في الدراسة وشغف بالأدب.»
15
واسمع هذه القصة القصيرة لتعلم كم كان محببا إلى نفوس عارفيه، على شرط أن يلاقوه ويتحدثوا إليه؛ فقد كانت تسكن إلى جواره في إدنبره سيدة ذات مكانة في المجتمع، وزادها مكانة أن كانت أما لأبناء اشتهروا شهرة واسعة ببراعتهم في فن العمارة؛ كانت هذه السيدة تسمع عن هيوم ولم تره، وقد طلب إليها أن تدعوه فيمن تدعوهم إلى حفلاتها فرفضت مجيبة بأنها لا تدعو ملحدا إلى دارها؛ فدبر المدبرون أن ترسل إليه الدعوة باسم مستعار، وذهب هيوم إلى حفلة عشاء أقيمت في دارها، وجلس إلى جوارها يتحدث، وهي لا تعلم أنها تتحدث إلى من كانت تكرهه فيلسوفا وكاتبا؛ فقالت عنه فيما بعد إنها أحبت ذلك الرجل الضخم المرح الذي كان يجلس إلى جوارها، وكذلك أعجب به كل من حضر الحفلة ممن لم يكونوا يعرفونه؛ فلما عرفت السيدة أنه هيوم، اعتذرت عما كانت تبديه من نفور إزاءه، قائلة عنه: «إنني لم أقابل في حياتي رجلا يوازيه مرحا وخفة روح وبراءة نفس.»
16
فلسفته
(1) طبيعة المعرفة وتحليلها (1-1) مصدر الأفكار
أولى المقدمات التي يقيم عليها هيوم فلسفته، هي التفرقة بين «الانطباعات» التي ينطبع بها الإنسان انطباعا مباشرا حين يحس شيئا بإحدى حواسه، أو حين يتمرس تمرسا مباشرا بحالة معينة من حالات وجدانه، وبين ما تخلفه تلك الانطباعات عند صاحبها من صور ذهنية أو ذكريات،
1
وهو يطلق اسم «الأفكار» على أمثال هذه الصور والذكريات.
صفحه نامشخص