يسألني عن الصوت وأنا أستر عليه الخبر إشفاقا وحذرا عليه، إلى أن علت الأصوات وبرزت المخبآت، فثار كما يثور الأسد المغضب، فأمر بإسراج فرسه وصب عليه سلاحه وأخذ رمحه وركب حتى لحق حماة القوم ونحن ننظر إليه، فطعن فارسا فرماه وانحاز متميزا، وانصرفت إليه وجوه الفرسان فرأوا غلاما صغيرا فحملوا عليه، وأقبل يؤم البيوت ونحن ندعوا له، حتى إذا ما دهموه عطف عليهم فطعن أدناهم منه فقطره ومرق كما يمرق السهم من الرمية، وقال: خلوا عن المال، فوالله لا رجعت إلا به أو لأهلكن دونه، فتداعت إليه الفرسان، وتمايل إليه الأقران، فرجعوا وقد نصبوا له الأسنة، وقلصوا له الأعنة، وجعلنا من وراء ظهره، وجعل يهدر كما يهدر الفحل، ولا يحمل على ناحية إلا طحنها ولا يقصد فارسا إلا قتله، وكل ذات رحم منا باسطة يدها إلى الله تعالى بالدعاء له إشفاقا عليه ووجدا به، إلى أن كشفهم عن المال وقد أشرفت أوائل خيل الحي، فكبر الناس وولى القوم منهزمين، فوالله ما رأينا يوما كان أقبح صباحا ولا أحسن رواحا من ذلك اليوم، ولقد سمعته ينشد أبياتا بعد منصرفه من الحرب وهي:
تأملن فعلي هل رأيتن مثله ... إذا حشرجت نفس الكمي بعد الكرب
صفحه ۳۸