التطيلي، وابن بقي، وغيرهما. وقد عجز كثير من المتأخرين عن تقليد هذه الموشحات، وبلوغ ذروة جمالها؛ حتى بقيت إلى اليوم مثالًا يُحتذى، ولم يتردد ابن سناء الملك نفسه عن الاعتراف بقصوره عن مجاراة الأندلسيين في هذا الفن.
ويظهر أن جميع هؤلاء الوشاحين الأندلسيين لم يبينوا لنا بصورة واضحة قواعد الموشح، وإن كنا نرى، هنا وهناك، في كتب الشعر والتراجم التي تتحدث عن الأندلسيين كالذخيرة مثلًا، بعض الإشارات إلى أصول هذا الفن. ولعل ابن سناء الملك هو أول من قام بهذه المهمة؛ فحاول في هذا الكتاب الذي ننشره أن يحدد قواعد هذا الفن الشعري، ويبين خصائصه وطرق نظمه وأوزانه، فكان بذلك الشاعر الأول المنظم لقواعد الموشح في المشرق كما في المغرب.
ولكن هذا الكتاب، على الرغم من التعاليم، والفوائد القيمة التي يقدمها لنا، لا يحل لنا معضلة أوزان الموشح وبحوره حلًّا نهائيًّا، وتظهر هذه المعضلة جلية في الموشحات التي لا تخضع لبحور الشعر المعروفة.
ولكن ألا يجدر بنا أن نتساهل في هذه الناحية، وأن لا نطلب من الشاعر الوشاح أن يتقيد بوزن قديم معروف تقيدًا شديدًا؟ إن الذي يميز هذا الفن ويكسبه جمالًا ليس العروض المقنن بل حرية الوزن، وهي -مع هذا- حرية تقودها أذن موسيقية وضرورات التلحين، كما يصرح ابن سناء الملك في كتابه فيقول: "والقسم الثاني من الموشحات هو ما لا مدخل لشيء منه في شيء من أوزان العرب، وهذا القسم منها هو الكثير، والجم الغفير، والعدد الذي لا ينحصر، والشارد الذي لا ينضبط. وكنت أردت أن أقيم لها عروضًا يكون دفترًا لحسابها، وميزانًا لأوتادها وأسبابها، فعز ذلك وأعوز، لخروجها عن الحصر، وانفلاتها عن الكف، ومالها عروض
1 / 13