وجدان: مقدمهای بسیار کوتاه
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
الميراث الوثني
لما كانت الكنيسة في الماضي قد احتضنت الضمير سريعا وبلا عناء يذكر، فإنه غالبا ما يظن أن مفهوم الضمير مسيحي في أصوله. لكن الكلمة اللاتينية كونشينتيا (الضمير) كانت بالفعل مفهوما مزدهرا في فن الخطابة الإقناعي والمرافعات القانونية لدى الرومان قبل مولد المسيح بفترة طويلة. وقد منح مفهوم الضمير عند الرومان الأفكار المسيحية المبكرة عن الضمير قواما وثراء في الخيال، وسيلقي الكثير من خصائصه الضوء على التصورات الكاثوليكية والبروتستانتية عن الضمير. ولما كان هذا المفهوم قد انتقل عبر هذه التصورات، فقد ظل مؤثرا على رؤيتنا للضمير في العصر الحاضر.
كان أساس الضمير الكلاسيكي هو الرأي العام أو ما اتفق عليه المجتمع؛ ومن ثم فإن الناس الذين كانوا على خلاف مع الرأي العام أو الاتفاق الجمعي يجدون أنفسهم عرضة لتأنيب الضمير واتهاماته. وكان شيشرون في خطاباته الجماهيرية يستغل الآراء ويطوعها عن طريق إدخال الضمير في سجالاته نيابة عن الموكلين وفي إداناته للمذنبين والمتكبرين. وفي خطابه الذي يحمل عنوان «دفاعا عن مايلو»، يقول شيشرون إن الضمير هو المسرح الرئيس للفضيلة، وفي ذلك المسرح يؤدي المرء دوره في كل الأحوال. وهو يقول إن موكله مايلو قد سلم نفسه باختياره لأن قوة الضمير دعمته، كما أنها في الوقت نفسه طاردته كما تطارد المذنبين بتصورات عن العقاب. ويرى شيشرون أن الضمير السليم قد يكون أساسا للحصول على البراءة القانونية. أما الضمير الفاسد فهو ينضم إلى العقوبة القانونية كي يعاقب من أخلوا بالمعايير العامة. وهو يقول في خطابه الذي يحمل عنوان «دفاعا عن سيكستو روشو»: دعك من الغضب الشديد؛ فالمذنبون يعذبون أنفسهم بالتفكير في أفعالهم الآثمة، وكل منهم يشعر بالتنغيص ويكاد يجن لمعرفته بالجرم الذي ارتكبه وتروعه أفكاره وضميره الآثم. وقد حاول الخطيب الجدلي كوينتيليان أن يثبت أن من يحد عن طريق الفضيلة يعاني معاناة مضاعفة، سواء من العقوبة القانونية أو من الضمير المذنب. وفي كتابه الذي يحمل عنوان «الحروب الأهلية» والذي يرجع تاريخه للقرن الأول قبل الميلاد، يخبرنا يوليوس قيصر عن الضباط الفاسدين الذين يتحملون المهانة من رفاقهم وذويهم بالإضافة إلى العذاب الداخلي للعقل أو الروح من الضمير. ومرة أخرى يخبرنا شيشرون عن قيصر في خطبته التي تحمل عنوان «عن الواجبات» متسائلا: «ما الآثام التي تعتقد أن ضميره مثقل بها؟ وما الجراح التي تحملها روحه؟» وتعد خصائص الضمير مألوفة حتى إن أحد كتب البلاغة المعاصرة والذي يحمل عنوان «البلاغة لهيرينيو» ينصح المدعي بأن يقول إن خصمه قد أبدى علامات الضمير اليقظ، أي إنه شوهد ووجهه يحمر خجلا أو يصبح شاحبا أو يتلعثم أو يتفوه بكلام غير مترابط أو يبدي علامات الريبة أو يفضح نفسه.
وتلك اللغة التي يستخدمها الضمير - بما في ذلك قدرته على الخداع والجرح والوسم أو الوصم - لها طابع مألوف، فالضمير ما زال بالفعل في محاولات مستمرة منذ ألفي عام لمضايقة الأشرار ودعم الأخيار، وإصابة من يتجاهلون انتقاداته اللاذعة بالألم والرعب وشحوب الوجه والرجفة. كانت تلك اللغة وذلك التصوير مناسبين للدين المسيحي الناشئ الذي واجهته مهام متعددة تتمثل في هداية المترددين وتهذيب المؤمنين الجدد، بالإضافة إلى تشجيع المعرفة الذاتية والإصلاح الشخصي في نظامه. ولما كان الضمير قد أثبت بالفعل كونه محفزا على العمل ودافعا لتغيير الحياة، فقد كان قابلا للتكيف بسهولة مع التطلعات والاحتياجات المسيحية، ولا عجب أن الناس قد تمسكت به واستفاضت في الحديث عنه بحماس شديد حتى إنه أصبح أحد المكونات الأولى والرئيسة للرؤية المسيحية للعالم.
المذهب الكاثوليكي والضمير
كانت النتيجة الرئيسة لاستيلاء المسيحية على الضمير هو اختيار جيروم لكلمة «كونشينتيا» اللاتينية في ترجمته للعهد الجديد من الإغريقية إلى اللاتينية في أواخر القرن الرابع. ففي النسخة الإغريقية من العهد الجديد، تعتمد رسائل بولس على مصطلح
syneidesis «سينيديسيس»، وهو مصطلح عام شامل يسبق «كونشينتيا» في الإيحاء بمعنى المعرفة المشتركة أو المعرفة بواسطة الذات «التي تعرف بذاتها». وعن طريق ترجمة الاسم «سينيديسيس» إلى «كونشينتيا»، قدم جيروم هذا المصطلح الأخير في خطوة واحدة بوصفه نوعا شديد الأهمية من معرفة الذات في الديانة المسيحية. وبالطبع فإن المصطلحين ليسا مترادفين تماما، فباختياره مصطلح «كونشينتيا» لم يستطع جيروم تجنب بعض مدلولاته التي تكونت سابقا، فأولا كان تاريخ كلمة «كونشينتيا» يربطها حتما بالتوقعات العامة والمجال العام. وبينما تعد «سينيديسيس» صفة داخلية متأصلة في الفرد، تعد «كونشينتيا» مصطلحا ذا وجه مزدوج ينظر في اتجاهين: داخليا بلا ريب، لكن أيضا خارجيا إلى الرأي العام والقيم المشتركة كما هو الحال في الفهم الشيشروني والقانوني الكلاسيكي. وهكذا فقد أصبحت شخصية الضمير الإنجيلي والمسيحي شخصية مختلطة في بداية نشأتها؛ حيث مزجت بين مبادئ الوعي الأخلاقي الخاص والتوقعات العامة. وكان هذا المزج - أو ربما التشوش المحتمل - بين الجانبين الداخلي والخارجي يعني أن الضمير المسيحي ربما سيظل يخدم سيدين للأبد: صاحبه أو الخاضع له من ناحية، والآراء المذهبية أو اللاهوتية لراعيه الكنائسي من ناحية أخرى.
سوف تظل تصورات الضمير التي وردت في رسائل القديس بولس - كما نقلتها ترجمة جيروم اللاتينية إلى الغرب - مقاييس ثابتة وأيضا أسبابا للجدال عبر التاريخ المسيحي اللاحق. وتظهر أكثر هذه التصورات تأثيرا في رسالة القديس بولس إلى أهل رومية في الإصحاح الثاني الآيات 14-16، التي يوضح فيها القديس بولس أن اليهود تحكمهم قوانينهم، أما غير اليهود أو المسيحيين فهم يحكمون أنفسهم بالنواميس النابعة من أنفسهم، ويظهر أثر الناموس محفورا في قلوبهم، حيث إن ضمائرهم تشهد عليهم. وهكذا يعد الضمير لدى القديس بولس جزءا أساسيا من صاحبه؛ وهدية مباشرة وشخصية من الله إلى المؤمن؛ وهو رأي سوف يزداد أهمية مع ظهور العديد من المذاهب البروتستانتية الحديثة الأولى. لكن الضمير لديه يؤدي أيضا دورا قضائيا أعم، فهو يقضي بين الأفكار المختلفة، وأخيرا فهو يشهد أمام الله يوم القيامة.
تظهر بعض العناصر شديدة الأهمية من الضمير المسيحي الحديث بالفعل في رواية القديس أوغسطين من هيبو ريجيوس في أواخر القرن الرابع عن تحوله إلى الدين المسيحي. فقد ولد أوغسطين وثنيا، وثقف نفسه في الأدب الكلاسيكي والفلسفة، وقضى بعض الوقت متنقلا بين العقائد الإيمانية المختلفة قبل أن يتحول للمسيحية ويتبوأ مكانته كأحد مؤسسي الكنيسة الرومانية. وهو يصف في صفحتي 397-398 من كتابه «الاعترافات» طريقه إلى التحول للمسيحية، وهو طريق يتضمن الكثير من اللهو والتباطؤ. فحتى بعد أن تحول عدد من أصدقائه إلى المسيحية، ظل مترددا ينتظر اليقين بشأن خياره. ويخاطبه ضميره وهو في تلك الحال، وهو ضمير يقظ بالفعل بشأن تأخيره الذي لا داعي له:
لقد أتى اليوم الذي يجب أن أتجرد فيه أمام نفسي ويتمتم ضميري بداخلي قائلا: «أين لساني؟ صحيح أنك قد ظللت تؤكد أنك لن تطرح عبء الكبر لأجل حقيقة غير مؤكدة. لكن انظر، فالأمور الآن مؤكدة، ومع ذلك ما زلت مهموما بنفس العبء، بينما الآخرون الذين لم يرهقوا أنفسهم هكذا في البحث عن الحقيقة ولم يقضوا عشرة أعوام وأكثر يفكرون في الأمر قد تخلصوا بالفعل من أعبائهم.» وهكذا فقد أصبت بالضيق الداخلي وشعرت بالحيرة العنيفة والخزي الشديد.
صفحه نامشخص