وجدان: مقدمهای بسیار کوتاه
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
يعلن إفريمان أن كتابه غير جاهز للعرض ويطلب اثني عشر عاما كي يصلح من شأنه، وبالطبع فلن يمنح تلك السنوات. ويظهر هذا التقليد الذي يجمع فيه كل ضمير مسيحي كتابه بنفسه في سجل دائم في وصف يوم الحساب على اللوحة الجدارية في كاتدرائية «ألبي» التي ترجع لأواخر القرن الخامس عشر، والتي نرى فيها الهالكين في حالة ضيق بالمجلدات التي تدينهم، وموكبا من الناجين يعرضون كتبهم أمام العرش مفتخرين بها: «أمام العرش تفتح الكتب.»
يعد القاسم المشترك بين تلك المعتقدات أن الضمير الفردي - بعد أن يجمع ملاحظاته في مجلد واحد شديد الخصوصية - يحول هذا المجلد والدليل عليه في نهاية الأمر إلى حساب عام. وفي قصيدته التي تحمل عنوان «الفلاح بيرس» التي يرجع تاريخها للقرن الرابع عشر، يقدم لنا ويليام لانجلاند ضميرا يقوم بدور «كاتب الإله وموثقه»، حيث يؤدي عمله من حصن داخل الذات لكنه يدون الملاحظات حول سلوك الفرد كي تعرض في محكمة الإله الأخيرة. وتشكل تلك الكتب الفردية كلها حلقات عديدة من مجموعة مقتطفات أدبية مجمعة يصفها روبرت بيرتون في كتابه «تشريح السوداوية» بأنها «دفتر ضخم كتبت فيه كل خطايانا، وهو سجل يؤكد على أهميتها». ويثبط المتهمون الآخرون من معنوياتنا، لكن «الضمير وحده هو من يعد ألف شاهد يتهموننا».
وهكذا يعد الضمير الكاتب عاملا منقسما بطبيعته وعميلا مزدوجا ومستشارا مؤتمنا في الوقت ذاته على مستحقات شخص آخر، وهو محاور يعود إلى مكانه كي يدون ما يعلمه عنا ويعرضه مكتوبا أمام القاضي النهائي. وعلى غرار الصوت الذي يقع على الحدود بين الداخل والخارج، قد يفيد الضمير المكتوب صاحبه أو يضره. وتبدو تلك الازدواجية في كتاب أندرو جونز الذي يرجع تاريخه للقرن السابع عشر ويحمل عنوان «كتاب الضمير الأسود» الذي يقوم فيه الضمير بدور «نائب الله داخل الروح»، حيث يدون ملاحظات مكتوبة لأهداف مستقبلية: «ثمة ضمير داخل كل إنسان يرى كل أعماله ويراقبها ويحتفظ بسجل دقيق لها، وهكذا يصبح شاهدا سواء مع الروح أو عليها يوم الحساب.» وسوف تقدم شهادته مرة أخرى في صورة كتاب: «إن الضمير يلاحظ كل أعمالك ... ويدونها كلها في هذا الكتاب الأسود.»
وتماشيا مع نزعة السجل المكتوب للتملص من تحكم الكاتب أو حتى الفرار منه، يقوم الضمير (الذي يسدي النصيحة لسبب ويسجل لسبب آخر) بعملية سرية إلى حد ما من خلال مجموعة أدوار تتضمن خدع تجسس صريحة. وفي «رسالة العاطفة» التي كتبها إدوارد رينولدز في القرن السابع عشر، «يهدف الضمير ... إلى مراقبة أفعالنا سرا» وتسجيل اكتشافاته بالحبر السري: «عندما تعرض تلك الكتابة التي تبدو خفية وغير مقروءة كالحروف التي كتبت بعصير الليمون أمام نيران الحساب الإلهي، فسوف تصبح شديدة الوضوح.» وعلى الرغم من الولاءات المختلطة لصناعها والاحتمال الدائم للتفسيرات المختلفة، تظل الكتابة في نهاية الأمر ثابتة لا يمكن محوها: فتأنيب الضمير «قد كتب بحروف يستحيل إزالتها ولن تمحى أبدا».
وما زالت فكرة كون الكتابة وسيلة للتعبير عن الضمير فكرة قائمة حتى الآن، والمؤيد العصري الواضح لفكرة الضمير المكتوب أو الضمير المعبر عنه من خلال الكتابة هو بالطبع جيمس جويس الذي توضح روايته «بورتريه فنان شاب» (1914-1916) الطريقة التي تساعد بها الكتابة على تشكيل الضمير الحقيقي. ومما لا جدال فيه تفضيل جويس للكلمة المكتوبة، لدرجة أنه بالنسبة له يعد الضمير المعبر عنه كتابة منافسا قويا للضمير المعبر عنه شفهيا، بل إنه يتفوق عليه في النهاية. وبالنسبة لشخصية ستيفن ديدلوس التي رسمها جويس، لا بد وأن تنتصر الكتابة على تنافر الأصوات الذي يهاجم ستيفن باستمرار: ... كان قد سمع حوله الأصوات المستمرة لوالده ومعلميه يحثونه على أن يصبح كاثوليكيا صالحا قبل أي شيء ... وسمع صوتا آخر يحثه على أن يصبح قويا شجاعا صحيح البنية ... لكن صوتا آخر أمره أن يصبح مخلصا لبلده ... وصوتا دنيويا يأمره بأن يرفع مستوى والده المتدني بجهده، وفي الوقت ذاته صوت رفاق المدرسة يحثه على أن يصبح زميلا مهذبا ... وكان اللغط الذي تحدثه كل تلك الأصوات الجوفاء هو ما أدى به لأن يتوقف حائرا.
يأتي في المقام الأول بين تلك الأصوات صوت الضمير التقليدي، وله موقف ثابت يتضح في موعظة داخل الرواية: «كان لديك الوقت والفرصة كي تتوب لكنك لم تفعل ...» ويمكن مقارنة تلك الأصوات المسببة للشلل بالأنا العليا لدى فرويد، فهي صوت داخلي ذو أصل أبوي مؤثر وغريب عن صاحبه في مطالبه العنيدة ... ومن ثم فهي بالنسبة لجويس صوت أو أصوات يجب أن تستبدل. وثمة صوت آخر محوري بالنسبة لستيفن، وهو صوت يخاطب روحه مباشرة، هو «نداء الحياة لروحه لا الصوت الفظ المتبلد للعالم المثقل بالواجبات واليأس، ولا الصوت غير الإنساني الذي استدعاه إلى صلاة المذبح الكئيبة». ويزين هذا الصوت الفن الإبداعي للكلمة المكتوبة ويجيزها، فالكتابة هي الأداة التي يخاطب بها الضمائر الأكثر تقليدية لنظرائه الأيرلنديين: «كيف يمكنه إزعاج ضمائرهم أو الإلقاء بظلاله على تخيلات بناتهم ...؟» والإجابة الشهيرة بالطبع هي: «إنني أذهب للمرة المليون لأواجه حقيقة التجربة ولأصنع في ورشة روحي الضمير الأزلي الخاص بالجنس الذي أنتمي إليه.» وللضمير هنا معنى مزدوج مشتق من التاريخ القديم لكلمة
conscience : حيث دمج معنى كل من
consciousness «الوعي» و
conscience «الضمير» في كلمة واحدة وهي «الضمير» قبل القرن السابع عشر. (وما يعلمه جويس بالطبع أن كل كلمة تستمر في الاحتفاظ بمعانيها إلى حد ما). وبالإضافة إلى «الوعي» فإن جويس يعني «الضمير» أيضا، وبالنسبة لجويس تعد الأداة المميزة للتعبير عنه هي الكتابة وليس الحديث.
قد يضاف للضمير الصوتي والمكتوب - وأحيانا ينافسهما - المزيد من الدوافع الوثائقية والمرئية للاستجابة التي تعتمد على الضمير. وفي تلك الصورة ، بدلا من أن يتجسد الضمير في الكلمة المنطوقة أو المكتوبة، فإنه يتجسد بالتصوير: سواء أكان تصويرا بالرسم أم النحت أم صورة ملصقة في كتاب، لكن أيضا وخاصة في الأشكال الأحدث والأكثر إلحاحا بشكل فوري للنسخ الإلكتروني.
صفحه نامشخص