وجدان: مقدمهای بسیار کوتاه
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
ذلك العالم المجهول، الذي لا يرجع من تخومه أحد
فتملكنا الحيرة، وتؤثر احتمال الشرور التي نعرفها
على الوثوب نحو أخرى نجهلها كل الجهل،
وهكذا أمكن لضمائرنا أن تجعلنا جميعا جبناء. (3.1.78-82)
لا شك أن هذا الضمير المسبب للعجز يتكون بالتساوي من أول معنيين حديثين للكلمة: الوعي (بمعنى المعرفة المزعجة) والضمير (الذي يسبب القلق للعقل بأفكار عن القصاص في الآخرة بسبب الأفعال الآثمة). لكن سواء أكان هذا أم ذاك أم كلاهما، فإن الضمير يقدم هنا بوصفه مشكلة شديدة التعقيد وعائقا بدلا من أن يكون حافزا للعمل.
وتتضح هذه النظرة للضمير المشتبه به في مسرحية «الملك هنري الثامن» لكل من فليتشر وشكسبير، والتي تستخدم فيها كلمة «الضمير» 24 مرة، وهو ضعف العدد الذي استخدمت فيه في أي من مؤلفات شكسبير الأخرى. وأصبح هذا الضمير الخاص بهنري كما لو كان جزءا من جسمه مشبعا باشتهاء آن بولين. فضمير هنري «قضيب حساس»، فهو يفكر في الموقف الذي «تبدت فيه حساسيته لأول مرة وتعرض للإثارة والوخز»، وهي ليست تورية جنسية فحسب، بل هي إعادة صياغة لفهم القرون الوسطى الذي يقوم فيه الضمير «بوخز» صاحبه المذنب، بينما يعد الضمير الآن عضوا قابلا للإثارة ومعرضا لنفس النوع المنحرف من التجسيد. أما ضمير آن بولين فهو بدوره يشبه بأعضائها التناسلية، فهو «ضمير رقيق ناعم» مصنوع من الجلد اللين قابل «للتمدد» بحيث يتسع لما يقدمه هنري.
كان علم اللاهوت في ذلك الوقت مفعما بالحياة بالقدر ذاته في وصفه لهذا الضمير المجسد حديثا، فقد ارتكب لوثر (في فقرة يستشهد بها إدوارد أندرو) خطأ تصويريا عندما قارن الضمير برحم المرأة والعهدين بالخصيتين. وفيما يمكن أن يطلق عليه مركز جنيف الإصلاحي، كان كالفن يواجه مشاكله الخاصة مع الضمير وتجسيده؛ فبينما أوكل دورا مهما للضمير، لم يعد ينظر إليه بوصفه موضعا للتقييم الذاتي الهادئ والتقدير المنصف قدر ما هو أرض ملوثة دمرتها الإثارة وخدرها الذعر. وفي سياق كتابه الذي يحمل عنوان «المؤسسات»، يشير كالفن إلى عدة نقاط مألوفة حول الضمير (في ترجمة توماس نورث القديمة) مثل أنه «مطبوع بواسطة الله في عقل الإنسان»، وأن ضميره يؤدي واجبا مألوفا في فضح الآثام أمام منصة الحكم الإلهي. لكننا أيضا نقابل أمورا جديدة تدعو للقلق حول ما إذا كان هذا الضمير المقيم أهلا للمهام الموكلة إليه أم لا، فهو أولا ضمير داخلي تماما لا يعتمد على الدعم الخارجي أو المؤسسي، ويواجه كل أخطار التجسيد؛ من التحيز المفرط لصاحبه غير المعصوم من الخطأ، بل والأسوأ من ذلك، «التأقلم» مع موطنه داخل الجسد. ويتخيل كالفن ضميرا ملموسا ، ضميرا تبدو عليه «الجراح»، وبدلا من أن يستحث صاحبه على التحسن الذاتي فإن هذا الضمير ذاته بحاجة إلى مساعدة، فهو يحتاج إلى الله بوصفه طبيبا كي «يشفي آلامه». ولما كان هذا الضمير بالكاد منتصرا، فهو ضمير في محنة متزعزع في دخيلة نفسه ويرتجف هلعا من غضب الله: «عندما لا يبصر ضميرنا سوى السخط والانتقام، فكيف يمكنه ألا يرتجف ويرتعد خوفا؟» وهو ضمير قد فقد ثقته بنفسه، بدلا من أن يكتسبها، وفقد قدرته على القيام بواجباته التحذيرية. ولا يتطلب تلك المساعدة سوى «ضمير فاسد»، وفساده ذو علاقة وثيقة بالظروف التي نشأت عن مكوثه في الجسد. ولم يعد الضمير لدى كالفن يمثل شرارة العقل أو الصديق المخلص أو حتى كاتب الحسابات المحايد التابع لله، بل كان يجبن أمام الشكوك الإلهية التي في محلها.
ولدى كالفن وأتباعه يظل دائما الاحتمال النهائي وجود ضمير نقي، ليس بفضل جهوده الخاصة لكن بفضل الله وحده. وتتمثل مشكلة الضمير الذي ترك وحيدا كي يتعامل مع خطايا العالم، أو لم يدعمه سوى ما اعتبره كالفن آليات التوبة غير الكافية على الإطلاق في أن جهوده قاصرة على نحو حتمي في مواجهة قوة الخطيئة اللامتناهية. وفي الجزء الثالث والأخير من كتابه «المؤسسات»، يعرض كالفن حالة «الحرية المسيحية»، والتي يحل فيها تجلي رحمة المسيح محل قيود القانون التي لا تجلب سوى الخوف الشديد للمسيحي الذي يحدد عقوبته الملائمة أمام المنصة الإلهية. وفي حالة الرحمة تلك، يتجدد الضمير وينقى عن طريق رحمة المسيح؛ حيث يتحرر من عوائق الإيمان الكاثوليكي بالأسرار المقدسة ويصبح أهلا لمواجهة المشكلات كافة، لكن تلك الحالة من اليقين عرضة لأن تظل بعيدة عن إدراك عامة المسيحيين الذين ما زالوا يقاومون المشكلات الإيمانية في العالم.
ومن أبرز ممثلي الضمير الكالفيني في إنجلترا في القرن السادس عشر آن فون لوك، التي ترجمت خطب كالفن وكتبت مجموعة قصائدها الأولى باللغة الإنجليزية. وفي قصيدتها التي تحمل عنوان «تأملات مذنب تائب، حول المزمور الحادي والخمسين»، تصف ضميرا واهنا عاجزا، لكنه في الوقت ذاته قادر على النقد والجرح، وهو من ناحية مجروح مرتبك:
الرعب الذي يسببه ذنبي ينمو كل يوم
صفحه نامشخص