وكان شيكو هذا من أشراف فرنسا، وهو وافر الذكاء، كثير الدهاء ، شديد الإخلاص لمولاه، وقد دخل إلى البلاط بصفة مضحك الملك، وهي عادة جرى عليها ملوك فرنسا في ذلك العهد، وكان يتجاوز الحد أحيانا في الهزل، غير أن الملك كان راضيا عنه لشدة ثقته به وحاجته إلى آرائه.
ثم دخل الملك في إثره يحيط به رجاله أعداء رجال أخيه الدوق دانجو، وهم موجيرون وكاليس وشومبرج والبارون أو وأبرنون، فانتظمت الحفلة وهدأ روع امرأة سانت ليك، فدنت من زوجها وقالت: لم أعد أخشى أمرا بعد أن قدم الملك، ولا يسوءني غير تأخر أخيه الدوق.
فتنهد زوجها وقال: إني على عكس ما ترتئينه، فإني أخاف الملك حاضرا أكثر مما أخافه غائبا؛ لأنه لم يحضر إلا لإساءتي، وسترين أن أخاه لم يمتنع عن الحضور إلا ليكيد لي.
ولم يمض على هذا برهة وجيزة، حتى أعلن الحاجب عن قدوم الكونت دي باسي، فاتجهت كل العيون إلى هذا الكونت، وأحدق به الحضور من كل جانب، ولا سيما رجال الملك الذين كانوا ينظرون إليه شزرا؛ لأنه كان صفي الدوق دانجو، وقد اشتهر بالبسالة والإقدام وكره رجال الملك والازدراء بكل عظيم.
وكان فوق ما هو عليه من الشجاعة شريف النسب كبير النفس، وقد سأله الملك مرة أن يكون من أتباعه، فأبى عليه بعظمة جعلت الملك يحنق عليه ويريد له الأذى.
وقد حاول مرارا أن ينكل به بالسياسة والقوة، فكان الدوق دانجو يحميه من كيد السياسة، وهو يدفع عن نفسه بنفسه حملات رجال الملك ويسيء إليهم في كل حين حتى سئم الملك منه، وأخذ يترقب الفرص للتنكيل به بواسطة رجاله.
فلما دخل هذا الكونت إلى قاعة الاجتماع، أخذ يحيل نظره بين الحضور فيرمق أعداءه، ولا سيما رجال الملك بالنظر الشزر، ويبش إلى أصحابه وأصفيائه، ولم يكد يسير بضع خطوات في القاعة حتى دخل في إثره ستة رجال من بطانته، بل من حاشية الدوق، وهم مرتدون بأحسن الملابس.
فجعلوا ينهجون نهج رئيسهم من احتقار رجال الملك الذين كادوا أن يتميزوا من الغيظ، وحاولوا أن ينقضوا على الكونت فيقطعوه بشفار سيوفهم ، لو لم تسبق إليهم إشارة خفية من الملك نفسه الذي ناله ما نالهم من قحة الكونت، فصبروا عليه ورموه بنظرات ملؤها الإنذار والوعيد، نفذت إلى قلب الكونت كالسهام.
وكان شيكو ينظر إلى الفريقين وهو يخشى عاقبة تلك النظرات، فجعل يؤنب الكونت دي باسي لقدومه بمثل هذه الحاشية التي لا يقدم بها الملوك، ويكلمه بلسان الملك وهو يمزج الهزل بالجد، ويجمع بين القسوة واللين.
ثم أشار بطرف خفي إلى سانت ليك، فذهب إلى الكونت يحتفل به ويشكره لقدومه، ويبعده عن رجال الملك حذرا من وقوع مكروه، لما كان يعلمه من جرأة الكونت الذي لا يحترم سلطة، ولا يهاب مقام الملوك.
صفحه نامشخص