وقد قدمنا أن الباري سبحانه لم يفرد نفسه بلغة غير لغتنا التي نتخاطب بها .
وللباري علم ولنا علم ، وله قدرة ولنا قدرة ، وله إرادة ولنا إرادة ، وله قيام المعاني ولنا حلول الأعراض . يا سبحان الله . ولو عكسوا فما عدا , فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .
وأما مذهبهم في التشبيه والجوارح فعلى وجهين : أما من ذهب به مذهب الجوارح فلا يخاطب ولا يعاتب ، فإن أنفذهم قد ترأرأ ببصره نحو الإله فانعكس بصره إلى جسده فلمحه ، فخاله إلهه ، فكبر وعظم ، وصلى وسلم وقال : الحمد لله الأكرم ، ذي الآلاء والنعم ، والوجه والقدم ، واليد والعظم ، والعين والفم ، والجوارح كلها الجم ، والنون والقلم ، وما أدراك ما نون والقلم وما يسطرون . فاستجاب له العميان من جميع البلدان وصدقوا قولته وأجابوا دعوته . ( شعر )
فأقرب من ذلك موقعا أن يختلف معهم في الأسواق ولا يعرفونه ، وتضمه معهم المساجد والمجالس ولا يثبتونه . ويقول : أنا ربكم الأعلى . ولا ينكرون ، بشرط أن يكون وسيما جميلا جليلا ، ولا قبيحا ولا ذميما ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وهؤلاء قوم فرحوا بما عندهم من العلم ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون .
وأما من امتنع منهم من إجرائها على المعاني التي تعرف : من الوجه أنه الجاه ، ومن القدم بما قدم لها من الشقوة ، ومن اليد أنه النعمة والقوة ، ومن المعصم ما يعتصمون به ، ومن العين العلم تجري بأعيننا ، ومن الفم الكلام ، وفي أمثال ، هذه معروفة عند العرب أنها الجارحة وثمرة الجارحة كما يعقلها العرب ، فلحبو طريقا وسطا بين الخيال والوبال ، فامتنعوا من الجوارح ، وامتنعوا من اللغة .
قلنا لهم : أتعرفونها ؟
قالوا : لا ، إلا أنها صفة الله .
صفحه ۵۳