وأما الثلاث التي في أمته : فرجوع العدو المباين المناصب الذي يطالبه بالثأر في الأهل والأموال والديار ، فانعكس ذلك كله وصار حبا وبذلوا النفوس والأموال دونه عنه ذبا ، ابتغاء الوسيلة إليه والفضيلة عنده ، اختيارا لا قهرا ولا اضطرارا ، فسبحان مقلب القلوب علام الغيوب . وأما نزول البركات والخزائن فظاهر حين جمعت له الدنيا بحذافيرها وجادت ببذورها ودرت بضروعها ، فأينعت ثمارها وأبهجت أشجارها لقوم كانوا بداة جفاة أشبه شيء ببهائمهم ، فرجعوا ذوي أخطار ملوكا ذوي اقتدار لما تملكوا الدنيا من الخافقين إلى الخافقين ، من وراء هذه الخزائن الفتق ، وقد نبه عليها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال : (( ماذا أنزل هذه الليلة من الخزائن الفتق ايقظوا صواحب الحجرات )) يريد نساءه فكان ما قاله حقا ( صلى الله عليه وسلم ) .
وأما فتوحات القرى والمدائن فأمر ظاهر قد تجلى للعيان ، واعلم أن الله تعالى وهب لمحمد عليه السلام ما لم يهبه لنبي قبله ولا ملك ، وذلك أن بني إسرائيل امتن الله عليهم بان وعدهم افتتاح القدس ومدائن الشام ، واستطالت به بنو إسرائيل على جميع الأنبياء والأمم التي قبلهم ، فكان ذلك كذلك ، ولم يصح مع ذلك مدائن الشام كلها ، وأفضل الشام فلسطين هو لأولاد كنعان (2) والدروب للروم ، ألا ترى قول الله تعالى لداود حين قال له : ( أخرج أولاد كنعان من أرض فلسطين فإنهم لا يطيعون نبيا منهم ولا من غيرهم فهم للأرض كالجدري للوجه ) ففتح الله تعالى لمحمد عليه السلام الشام كله فلسطين ودروبه وجزيرة العرب بأسرها والجزيرة جزيرة بني عمر إلى الجودي إلى ما وراء ذلك ، والعراق والبحرين وعمان واليمن قاطبة والحساء وهجر والمشقر وأرض فارس والماهات وهمدان وحلوان والري وأرمينيه وخرسان ومن وراء ذلك الصين وإلى سمرقند وبخارى والترمذ إلى سد يأجوج و مأجوج ، ومن ناحية السند والهند كرمان ومكران وسجستان وغزنة والتبت ، ومن المغرب مصر وأفريقية والأندلس وبعد الخمسمائة من الهجرة فتح الله عليه بلاد السودان جوجو وغانة إلى الجزائر الخالدات ، فهو ملك الأرض من فرغانة إلى غانة .
الدليل على ولاية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي..
الدليل على ولاية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وما حصل في ذلك من التغيير من عثمان وعلي
: فصل ( 1 ) *
فإن قال قائل : ما الدليل على أن ولاية أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - صواب وأن ولايته حق عند الله تعالى ؟ فنقول أما من كتاب الله - عز وجل - فقوله : ( وما محمد إلا رسول ) إلى قوله : ( وسيجزي الله الشاكرين ) وأبو بكر - رضي الله عنه - إمام الشاكرين ، وقال الله تعالى في المنافقين حين منعهم الجهاد مع نبيه عليه السلام حين تخلفوا عنه في زمن الحديبية : ( قل للمخلفين من الأعراب ستدعون ) إلى قوله : ( يعذبكم عذابا أليما ) فتوعدهم الله تعالى أن تخلفوا بعد ما كانوا خلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وخليفته من بعده ، والمأموم المطيع الفائز بطاعته لإمامه دليل على أن الإمام محق يدعو إلى الهدى وقول الله سبحانه : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض - إلى قوله - فأولئك هم الفاسقون ) فلما استخلف أبو بكر - رضي الله عنه - أنجز الله له وعده فثبت أن أبا بكر مؤمن وقد عمل الصالحات ومكنه الله بعد ذلك دينه الذي ارتضى له ، وبدل له الأمن من بعد الخوف فصار إلى العبادة وإدحاض الشرك ، ومن كفر بعد ذلك من لم يسلك سبيل أبي بكر وخاف بعد الأمان ، اضطهد في قعر داره والدنيا أمان واستغاث ولم يغث فأولئك هم الفاسقون . ودليل آخر على تصويب ولايته من السنة أن قدمه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على عماد الدين وهي الصلاة وجعله إمام المتقين والغير مأموم ومن خالفه ملوم ، كما قال علي بن أبي طالب : ( رضيك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لديننا ورضيناك لدنيانا ) .
صفحه ۳۵