فإن قال قائل فإن الله تعالى قد آخذ اليهود بما فعلته آباؤهم من قتلهم الأنبياء واستحلالهم الحرام وقد قال الله - عز وجل - لهؤلاء من بعدهم ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) على أن هؤلاء الذين عيرهم لم يدركوا أنبياء الله من قبل ولا أدرك زمانهم زمان الأنبياء ، فالجواب : أن هؤلاء اليهود الذين عيرهم الله بقتل آبائهم الأنبياء ولم يقتلوهم إنما عيرهم على أتباع الآباء ، على أنهم يعرفون أنهم قتلوا الأنبياء واشتهر ذلك عندهم تغني عن الدلالة عليهم ، وذلك أيضا معروف الفساد قتل الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس ، وظهور قبح ذلك أيضا كذلك ، وإنما الكلام على من بلغته البدعة في الدين والشبهة بغير يقين وربما يقصر علمه عن ذلك ولم يوال أئمته على ذلك ولم يوالهم إلا على ما ظهر له من شريعة الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم والحج ، على أن اليهود أشركت بردهم نبوءة محمد ورسالته ( صلى الله عليه وسلم ) فكل سوء في الدنيا لهم فيه نصيب حين عبدت غير الله ، فليتهم كل مقلد إمامه في مثل هذا ، فإن من كان بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غير معصوم ، ولك في أهل صفين أسوة حسنة وذلك أنهم في مائة ألف أو يزيدون استبصروا أولا في قتل طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص ، وإمامهم علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والمهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان ومع ذلك لم يقيموا الحجة على سعد بن أبي وقاص أحد الشورى وعلى زيد بن ثابت ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن عمر بن الخطاب ولم يقطعوا عذرهم في التوقف عنهم ، فلهؤلاء استبصارهم ولهؤلاء شكهم كل يعمل على شاكلته وربك يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون .
صفحه ۲۱