فلا يكون إلا صنعا مفطورا ، لما يرى فيه من أثر الفطرة والصنع ، وذلك فدلالة لا تخفى على الصانع المبتدع ، وما أرسل تبارك وتعالى من الرياح بشرا بين يدي رحمته ، فلا بد من وجود مرسله وولى فطرته ، وما أنزل سبحانه من الماء ، من أجواء السماء ، فلا بد من منزله ، ومعرف رحمته فيه وفضله ، لأن التفضيل لا يكون أبدا والرحمة ، إلا ممن له من ونعمة.
وفي الماء وإنزاله ، وحدره من المزن وإهطاله ، ما يقول سبحانه : ( أفرأيتم الماء الذي تشربون (68) أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون (69) لو نشاء جعلناه أجاجا فلو لا تشكرون ) (70) [الواقعة : 68 70].
وما أحيى بمنزل الماء من موات البلاد ، وما أسقاه من الأنعام وكثير العباد ، فلا يمتنع فكر عند وجوده كله ، من وجود محييه وساقيه ومنزله ، (1) وما مرج فحلي من البحرين ، فرؤي ممزوجا رأي عين ، كل بحر منهما مخلا يمعج ، (2) ولا ينقطع بعضه عن بعض ولا يعرج ، (3) متصلا جميعا كله ، غير منقطع متصله ، يسير في قرار موضعه وبين أكنافه ، (4) وفيما بين حدوده التي جعلت له وأطرافه ، (5) قدر مسير مسافة شهر (6) وربما كان أشهرا عدة ، يعلم (7) ذلك من سمع بخبره أو رآه فأبصره عيانا مشاهدة ، فإذا انتهى إلى ما جعل الله له من الحد ووقف عند حده وحاجزه ، وما جعل بينه وبين البحر العذب الفرات من برزخه وحواجزه ، فلم يعد من حدوده كلها حدا ، (8) ولم يجد له معه مطلعا (9) ولا مصعدا ، وفيما جعله الله له موضعا ، ومقرا رحبا واسعا ، يرى طاميا
صفحه ۲۸۱