فمن ذلك ما أخبر به أبو الحسن على الدمشقي في صحن الجامع الأموي عن أبيه قال كنا جلوسا في مجلس إبن تيمية فذكر ووعظ وتعرض لآيات الإستواء ثم قال واستوى الله على عرشه كإستوائي هذا قال فوثب الناس عليه وثبة واحدة وأنزلوه من الكرسي وبادروا إليه ضربا للكم والنعال وغير ذلك حتى أوصلوه إلى بعض الحكام وإجتمع في ذلك المجلس العلماء فشرع يناظرهم فقالوا ما الدليل على ما صدر منك فقال قوله تعالى
ﵟالرحمن على العرش استوىﵞ
فضحكوا منه وعرفوا أنه جاهل لا يجري على قواعد العلم ثم نقلوه ليتحققوا أمره فقالوا ما تقول في قوله تعالى
ﵟفأينما تولوا فثم وجه اللهﵞ
فأجاب بأجوبة تحققوا أنه من الجهلة على التحقيق وأنه لا يدري ما يقول وكان قد غره بنفسه ثناء العوام عليه وكذا الجامدين من الفقهاء العارين عن العلوم التي بها يجتمع شمل الأدلة على الوجه المرضي وقد رأيت في فتاويه ما يتعلق بمسألة الإستواء وقد أطنب فيها وذكر أمورا كلها تلبيسات وتجريات خارجة عن قواعد أهل الحق والناظر فيها إذا لم يكن ذا علوم وفطنة وحسن رؤية ظن أنها على منوال مرضي ومن جملة ذلك بعد تقريره وتطويله إن الله معنا حقيقة وهو فوق العرش حقيقة كما جمع الله بينهما في قوله تعالى
ﵟهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصيرﵞ
فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء وهو معنا أينما كنا هذه عبارته بحروفها فتأمل أرشدك الله تعالى هذا التهافت وهذه الجرأة بالكذب على الله تعالى أنه سبحانه وتعالى أخبر عن نفسه أنه فوق العرش ومحتجا بلفظ الإستواء الذي هو موضوع بالإشتراك ومن قبيل المجمل وهذا وغيره مما هو كثير في كلامه يتحقق به جهله وفساد تصوره وبلادته وكان بعضهم يسميه حاطب ليل وبعضهم يسميه الهدار المهدار وكان الإمام العلامة شيخ الإسلام في زمانه أبو الحسن على بن إسماعيل القونوي يصرح بأنه من الجهلة بحيث لا يعقل ما يقول ويخبر أنه أخذ مسألة التفرقة عن شيخه الذي تلقاها عن أفراخ السامرة واليهود الذين أظهروا التشرف بالإسلام وهو من أعظم الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وقتل على رضي الله عنه واحد منهم تكلم في مجلسه كلمة فيها إزدراء بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد وقفت على المسألة أعني مسألة التفرقة التي أثارها اليهود ليزدروه بها وبحثوا فيها على قواعد مأخوذة من الإشتقاق وكانوا يقطعون بها الضعفاء من العلماء فتصدى لهم الجهابذة من العلماء وأفسدوا ما قالوه بالنقل والعقل والإستعمال الشرعي والعرفي وأبادوهم بالضرب بالسياط وضرب الأعناق ولم يبق منهم إلا الضعفاء في العلم ودامت فيهم مسألة التفرقة حتى تلقاها إبن تيمية عن شيخه وكنت أظن أنه ابتكرها واتفق الحذاق في زمانه من جميع المذاهب على سوء فهمه وكثرة خطئه وعدم إدراكه للمآخذ الدقيقة وتصورها
عرفوا ذلك منه بالمفاوضة في مجالس العلم
صفحه ۴۳