دادائیت و سورئالیسم: مقدمهای بسیار کوتاه
الدادائية والسريالية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
إذا كانت الصور الشبيهة بالحلم لفيلم «كلب أندلسي» تستدعي التفكيك عن طريق التحليل النفساني، فسنجد أن الفيلم الثاني لدالي/بونويل - وهو بعنوان «العصر الذهبي»، وإنتاج عام 1930 - يتعاطى بطريقة مباشرة أكثر مع العالم الواقعي، ولو أن صوره ليست أقل ترويعا. شغل هذا الفيلم الشاغل، بأسلوب سريالي بشكل ملتزم، هو القمع الاجتماعي للرغبة، خاصة كنتيجة للعقيدة الكاثوليكية. وتتألف ذروة الفيلم من عنوان داخلي مطول يعلن عن الظهور الوشيك من قلعة سيليني للفجار الذين شاركوا في رواية ماركيز دي ساد «أيام سدوم المائة والعشرون». وبينما يفتح باب القلعة، نرى أن أول السدوميين هو المسيح نفسه.
إذا كان الفيلم الدادائي لفت الانتباه لذاته كفيلم، وعادة ما كان يضمر نية هدامة، فالفيلم السريالي كانت غايته أن ينسي المشاهد الوسط الفني بغية إحداث «تحول في الوعي». لقد كان إرث الدادائية فيما يتعلق بتاريخ الأفلام تقليدا طليعيا أو «سريا»، بلغ ذروته في الأفلام التجريبية التي أخرجها في الخمسينيات والستينيات صانعو أفلام أمثال ستان براكاج أو آندى وارهول. لكن كان للسريالية، من ناحية أخرى ، أثر أكبر على الأفلام السائدة حيث يكون الجمهور متأهبا للتحرر الخيالي، وقد حظي بونويل نفسه بمشوار فني لاحق خصب جدا؛ حيث أنتج أفلاما ذات حيثية ، بداية من «الملاك المبيد» (1962) وانتهاء ب «سحر البرجوازية الخفي» (1972)، بينما استمر صناع الأفلام الدوليون البارزون في مد جذور الإمكانات السريالية للوسط الإعلامي حتى يومنا هذا؛ ومن بين الشخصيات الرائدة هنا مخرج أفلام الرسوم المتحركة التشيكي يان سفانكماير والأمريكي ديفيد لينش الذي يوضح فيلمه «طريق مولهولاند» (2001) المدى الذي ترتقي به قيم الإنتاج الهوليوودي السخية بالآثار السريالية بقوة. إن هؤلاء ممارسون «سرياليون» بوعي ذاتي منهم، لكن الأفلام السائدة عموما، بتعطشها للتجاورات التي لا تفتأ تزداد إذهالا، استوعبت بلا عناء تقنيات السريالية.
إن المصير التاريخي للأفلام الدادائية والسريالية يثبت نقطة أكثر شمولا حيال جماليات الحركتين؛ ففي السريالية، كانت هناك نزعة للسماح للوسط الفيلمي بأن يؤدي وظيفته «بشفافية»؛ أي بألا يتطفل بشكل موغل في الإصرار على التوقعات الجمالية للمشاهد بغية إحداث تحول نفسي. كان هذا أسهل في الاستيعاب من طرف الثقافة الجماهيرية، من إصرار الدادائية على تشويش متعة المشاهد وإنكارها عليه؛ في هذا الصدد، يمكن للمرء الإشارة إلى الأثر المهول للسريالية على التصميم الجرافيكي والإعلانات حتى يومنا هذا. يمكن الاستشهاد بالعديد من الحالات، بيد أن سلسلة إعلانات سجائر بنسون وهيدجز السريالية بشكل عبثي، التي ظهرت في السبعينيات؛ تعد أمثلة ممتازة. وقد لاحظ نقاد أمثال فريدريك جيمسون أن العبادة السريالية للرغبة، إضافة إلى التقنيات البصرية المعززة للتعبير عن تلك الرغبة، تبناها نظام السوق بغية تلبية «حالات الرضا الزائفة» للنزعة الاستهلاكية الرأسمالية؛ ويعود بنا ذلك نوعا ما إلى سؤال طرح في المقدمة عن عجزنا عن أن تفصلنا أي مسافة حقيقة عن التبعات الجمالية للسريالية. قد يكون من المغري أن نتكلم باستسلام هنا عن الطريقة التي أخفقت بها حركتان فنيتان يساريتان بامتياز، إن شئنا الجمع بين الدادائية والسريالية، في مقاومة استيعاب الرأسمالية لهما؛ ولكن هذا كفيل بمصادرة النتيجة قبل أن ندرس بعناية الطموحات الثقافية والسياسية الأوسع نطاقا للدادائية والسريالية. كانت تلك الطموحات ، كما سيتجلى لنا، معادية بشكل عميق للقيم الرأسمالية، وهي أيضا أنسب عدسات يمكن من خلالها النظر إلى فن هاتين المدرستين.
الفصل الرابع
«من أنا؟» عقل أم روح أم جسد؟
«كيف لأحد أن يعقد الآمال على تنظيم الفوضى التي تشكل هذا التنوع اللانهائي العديم الشكل؛ الإنسان؟» طرح تريستان تزارا هذا السؤال عام 1918 في بيانه الدادائي، وفي المقابل، بدأ أندريه بريتون روايته السريالية «ناديا» بالسؤال الأكثر تفاؤلا، ولكن الأكثر إثارة للقلق، ألا وهو: «من أنا؟» كانت الأسئلة المتعلقة بالهوية، أو بطبيعة الوعي أو بالعلاقات بين العقل والجسد، محورية للدادائية والسريالية، وأساسية أيضا للخلافات بينهما. أود فيما يلي أن أبحث كيف ظهرت هذه الأسئلة في كتابات الحركتين وفنهما، وكيف أن تلك الأسئلة تسلط الضوء على بعض النقاشات الأكثر إثارة بين المنظرين والفنانين المعنيين. إذا كانت كلتا الحركتين تعتنقان أسبقية اللاعقلاني على العقلاني، فكيف تخيلتا اللاعقلاني؟ إذا استوجب أمر السعي وراء اللاعقلانية، فكيف خالف ذلك القيم البشرية التقليدية؟ وإلى أي حد كان البرنامج المناوئ للبشرية مرغوبا؟ كانت الدادائية والسريالية على حد سواء معارضتين للعقيدة الدينية التقليدية، ويرجع ذلك أساسا إلى أن الكثير من أتباع الحركتين نشئوا تنشئة أخلاقية بشكل خانق. ولكن، كيف استطاعوا أن يضعفوا ازدواجية العقل-الجسد المتوطنة في الفكر الغربي؟
استندت بدائلهما، كما سنرى لاحقا، إلى العديد من الأنظمة الفلسفية والعقائد التي كثيرا ما ترتبط بفكر غامض أو مستغلق. وإذ عارضوا النظرة المتشككة لليهودية والمسيحية إلى الجسد، فقد انجذبوا إلى وجهة نظر احتفائية بكل ما هو جسدي وشبقي.
حتما كانت وجهات النظر هذه تحمل في طياتها ثقلها الأيديولوجي، وسيتجلى ذلك الموضوع أثناء المناقشة.
اللاعقلانية: أنصار فرويد ومعارضوه
أعلن تريستان تزارا في بيانه الدادائي عام 1918 أن: «المنطق دوما زائف؛ فهو يستقطب سلاسل المفاهيم والكلمات السطحية نحو استنتاجات وبؤر وهمية.» وإذ كان تزارا على قناعة بأن أي نظام شمولي للفكر إنما هو متحيز في جوهره، فهو يفضل - شأنه شأن الدادائيين عموما - أن يستقر رأيه على تبني النسبوية التامة:
صفحه نامشخص