دعوت به فلسفه
دعوة للفلسفة: كتاب مفقود لأرسطو
ژانرها
ولا سبيل لمن لم يهب حياته للفلسفة ولم يعرف الحقيقة أن يتوصل إلى هذه المعايير المستمدة من المعرفة النظرية بالمبادئ والعلل الأولى، إلا أنها هي التي تسمح لنا بتصريف جميع أعمالنا.
ويستطرد أرسطو في تقديم الأمثلة من الحياة العملية والمادية ليؤكد أنها جميعا لا تستغني عن المعرفة النظرية، فالأشياء الجسمية مجرد أدوات، وعلينا أن نطلب المعرفة التي تساعدنا على حسن استخدامها.
وتسير الحجة التي يسوقها لإثبات هذه القضية في خطوات؛ فالأشياء تنشأ عن طريق الصنعة والطبيعة أو عن طريق الصدفة والحظ،
3
وعملية النشوء تمضي في خط لا يعكس من كون إلى نمو إلى تحقيق غاية إلى تحلل ففساد،
4
وهي عملية تعبر عن حقيقة «الغائية» التي تطبع بخاتمها مذهب أرسطو كله، والطبيعة نفسها هي منبع كل خير وجمال، وتكون مظاهر إبداعها جميلة بقدر ما تسير العملية الطبيعية السابقة في طريقها السوي، كما تكون منتجات الفن والصنعة البشرية جميلة بقدر ما تحاكي الطبيعة وتكمل ما تركته ناقصا.
ويأتي الحديث عن سلم التطور الطبيعي الحي؛ فالطبيعة نفسها تقضي بأن يكون الهدف الأسمى للإنسان هو تحقيق ملكة العقل التي نسميها الحكمة أو الفطنة (ب11-21)، وبحكم الطبيعة نفسها توجد مستويات مختلفة لملكة العقل والقدرة على التفكير، هذه المستويات تؤلف سلما من القيم يتربع على قمته الفكر الذي تتم فاعليته ويختار كذلك لذاته، والطبيعة يسودها النظام والترتيب وتراعي الحد ولا تتعداه، فهي عاقلة ولا تعمل شيئا بالصدفة (ب22-30، وهي فكرة تمثل نواة الفلسفة الأرسطية وتتردد في معظم كتابات معلم البشرية). هل يستعصي على الناس بلوغ هذه الغاية الرفيعة؟ إن أرسطو يؤكد أن الحياة الفلسفية أو الموقف الفلسفي من الحياة ليس هدفا مستحيلا على الإطلاق، بل إن صعوبة تحصيل الفلسفة تقل في رأيه بكثير عن الفائدة التي تتيحها والفرح الذي نجنيه منها (ب31)، وهناك في الواقع علم بالعدل والعدالة كما أن هناك علما بالطبيعة وبكل ما هو موجود على الحقيقة ونحن قادرون على تحصيلهما سواء بسواء (وهما علم الأخلاق وعلم الطبيعة بالمعنى الأرسطي)، والمسألة في النهاية مسألة نظر وعلم نظري بالمبادئ والأصول.
5
هذا العلم الخالص يسبق كل علم لاحق بالأشياء والأدوات والأجسام، كما تسبق العلة المعلول ويتقدم الشرط على ما يتقدم به ويعتمد عليه، فمعرفة الأولي والبسيط في الطبيعة أسهل وأبسط من المعرفة بأي شيء آخر؛ لأن كل ما عداهما يتكون من هذه العناصر ويبنى منها، ثم إن كل ما هو خير فهو كذلك محدد ومنظم، والمهم بعد كل شيء هو العلم بالأسباب والعوامل والعناصر الأولية، أو هو - كما نقول اليوم - معرفة «البنية» الأساسية بحيث تكون الأولوية دائما للبسيط على المركب، وبحيث تسبق المبادئ ما يترتب عليها.
صفحه نامشخص