داعی السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
ژانرها
وطوت روح الإسلام شيئا فشيئا قصيد الصحراء الجميل بألوانه الساخنة التي تشبه ألوانها، وحرارته التي تشبه حرارة رمالها ووقدته التي تشبه وقدة سمائها، ولكن الأغربة لم تزل تغني وإن كفت عن نظم المعلقات! ولم يكن بالقليل عدد المغنين السود أو الخلاسيين الذين نبغوا في القرون الثلاثة الأولى بعد ظهور الإسلام، فسعيد بن مذحج الذي صادر الخليفة عبد الملك ماله؛ لأنه فتن أبناء الأشراف بسحر غنائه فأجزلوا له العطايا وضيعوا تراثهم عليه، كان عبدا من عبيد مكة، وأبو محجن نصيب بن الزنجي لقد لقي الحظوة من أمراء كثيرين وحكام مختلفين منذ أيام عبد الملك إلى أيام هشام. وقد حشا يزيد الثاني فاه درا في يوم من الأيام.
وأبو عباد معبد - أمير الغناء في عصره - أطرب ثلاثة من الخلفاء، وغشي على يزيد من الطرب وهو يستمع لغنائه، ومنحه خلفه اثني عشر ألف دينار جائزة واحدة، ومشى في جنازته الوليد الثاني هو وأخوه في ثياب السواد حدادا عليه، وكان قد مات في قصره.
ويبدو أن سلامة الزرقاء - التي بلغ ثمن القبلة منها أربعين ألف درهم - كانت من سلالة السود، وكانت سلامة القس وحبابة صاحبتها من جواري المدينة المولدات، وتروى قصة من أشجى القصص العربية عن غرام يزيد بحبابة هذه وموته حزنا عليها.
والأدلة كثيرة على أن أصوات الجواري السود وأساليبهن في الغناء كان لها سحر ملحوظ في نفوس ساداتهن المسلمين، كما يؤخذ من مطالعة أدباء العرب والفرس في بعض الأحيان. وقد قيل: إن إسماعيل بن جامع أعظم المغنين في عصر الإسلام الذهبي أعطى جارية سوداء أربعة دراهم لينقل عنها نغما غريبا سمعها تترنم به وهي تحمل الجرة على رأسها. ثم وضع في ذلك النغم دورا سمعه الخليفة هارون الرشيد فقال: إنه لم يسمع مثله قط في جماله وابتكاره وأجازه عليه بأربعة آلاف دينار ومنزل نفيس الأثاث والرياش.
ويقص علينا السعدي - الشاعر الفارسي - أنباء أخرى نعلم منها أن أرباب الغناء من السود قد بقيت لهم منزلتهم في هذا الفن إلى ما بعد صدر الإسلام، ومن تلك الأنباء قصة رواها في كتابه بستان الورد من أحوال الدراويش وكان لها شاهد عيان.
قال:
خرجت إلى الحجاز في رفقة من الشبان الأذكياء، وكانوا يترنمون في الطريق بين حين وحين ببعض الأشعار الصوفية، وكان بيننا رجل من الأتقياء ينكر سلوك الدراويش؛ لأنه يجهل حالهم ولا يعرف نجواهم، فلما بلغنا نخل بني هلال برز لنا من خيام بعض العرب غلام أسود يتغنى بصوت يستنزل الطير من السماء، ونظرت إلى جمل صاحبنا التقي قد أخذه الصوت الساحر فألقى براكبه إلى الأرض وهام في الصحراء، فصحت بالرجل: يا هذا! إن صوت هذا الفتى قد عمل في الحيوان الأعجم ولم يعمل فيك.
وذاك أنه كان من عادات العرب القديمة أن يحفزوا الإبل إلى المسير والصبر على السفر بألحان الحداء، وقد روى جنتيوس
Gentius
معقبا على هذه الواقعة في ترجمته لبستان الورد (أمستردام 1654) قصة أخرى أعجب من الأولى فقال:
صفحه نامشخص