داعی السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
ژانرها
المؤذن الأول
كتب عن الخلفاء الراشدين وكبار القادة والولاة من صحابة النبي عليه السلام كلام كثير باللغات الأوروبية في أثناء الكتابة عن تاريخ الإسلام. ولكن الذي كتب عن الصحابة ممن لم يتولوا الحكم ولا اشتركوا في السياسة العامة - كبلال بن رباح - جد قليل، وبين هذا القليل الذي كتب عن بلال خاصة فصل في اللغة الإنجليزية للأديب القصصي لفكاديو هيرن
Lafcadie Hearn
الذي عمل حينا في الصحافة الأمريكية، وقضى زمانا في جزر الهند الغربية التابعة لفرنسا ثم جال بين بلاد الشرق، واستقر باليابان وبنى فيها بزوجة يابانية ومات هناك سنة 1904، بعد أن قضى حياته الأدبية كلها هائما بنفحات الشرق الروحية؛ سواء هبت عليه من بلاد العرب أو من الصين أو اليابان.
ولا شك أن ترجمة هذا الفصل إلى العربية ترده إلى اللغة التي هي أحق به وأولى. وتعد مناسبة نقله إلى العربية سانحة كل السنوح في صدد الترجمة لبلال رضي الله عنه برسالة مستقلة به مقصورة عليه. وهو عدا ذلك فصل قيم يفيض بالعطف الإنساني والروح الشعرية والفكاهة الأدبية، ويضيف كثيرا إلى علمنا بأثر الأذان الإسلامي في نفوس الأدباء الغربيين، ولا سيما الأدباء من طراز هيرن الذين أظمأتهم الحضارة العصرية وتشوقت نفوسهم إلى الري الروحاني من ينابيع أخرى غير ينايع أمريكا وأوروبا.
وقد مهد هيرن لفصله عن «المؤذن الأول» بأبيات الشاعر إدوين أرنولد
Edwin Arnold
التي يقول فيها مخاطبا العزة الإلهية:
لو أن عابديك اليوم على الأرض طاف بهم طائف من الفناء فجاءة وصمت كل مؤذن يرفع الصوت بالتكبير في سكينة السماء، لما خلت الدنيا بعد هذا من آيات تشهد بوجودك على الأرض وفي أغوار الماء. نعم ... ولو ذهبت هذه وذهبت الأرض معها لبقيت لك آيات في أعالي السماء أعظم وأسمى؛ إذ كل شارقة فوقنا من تلك الشموس التي تشتعل إلى مطلع النهار، وتلك الكواكب التي يعود بها الليل كل مساء - هي يا رب «دراويشك» التي تدور في حلقة الذكر حول عرشك الوضاء.
ثم قال هيرن: إن السائح الذي يهجع لأول مرة بين جدران مدينة من مدن الشرق على مقربة من إحدى المنائر على المساجد الجامعة قلما تفوته خشعة الفؤاد لذلك الجمال الوقور الذي ينبعث به دعاء المسلمين إلى الصلاة، وهو لا شك يستوعب في قلبه - إذا كان قد هيأ نفسه للرحلة بالقراءة والمطالعة - كل كلمة من كلمات تلك الدعوة المقدسة، ويتبين مقاطعها وأجزاءها في نغمات المؤذن الرنانة حيثما أرسل الفجر ضياءه المورد في سماء مصر أو سورية وفاض بها على النجوم. وإنه ليسمع هذا الصوت أربع مرات أخرى قبل أن يعود إلى المشرق ضياء الصباح: يسمعه تحت وهج الظهيرة اللامعة ويسمعه قبيل غياب الشمس والمغرب يتألق بألوان القرمز والنضار، ويسمعه عقيب ذلك حين تنسرب هذه الألوان الزاهية في صبغة مزدوجة من البرتقال والزمرد، ثم يسمعه آخر الأمر حين تومض من فوقه ملايين المصابيح التي ترصع بها تلك القبة البنفسجية فوق مسجد الله الذي لا يزول، ولعله يسمع في المرة الأخيرة عند نهاية التنغيم كلمات مقنعة بالأسرار جديدة على أذنيه، فإذا سأل عنها ترجمانه - كما فعل جيرار دي نرفال - أجابه ولا شك بتفسير كذلك التفسير: يا من تنام توكل على الحي الذي لا ينام ... عظات جليلة تعيد إلى الذاكرة تلك الآيات التي ينقشونها في المشرق على بعض الحجارة الكريمة، ومنها «لا تأخذه سنة ولا نوم»، فإن كان الترجمان ممن يعون طرفا من تاريخ الإسلام فلعله ينبئه أن المؤذن الأول - أول من رتل الدعاء إلى الصلاة - كان الخادم المقدس الذي اصطفاه نبي الإسلام لهذه الدعوة - بلال بن رباح - صاحب الضريح الذي يشار إليه للسائح في ناحية من دمشق حتى هذا اليوم.
صفحه نامشخص