وإذا قارنا بين هذا العصر والقرون الوسطى وما آل إليه كثير من الأمم من الانحطاط والهمجية والسذاجة(2) والجهل العميق بينهما من حيث انتشار العلم وظهور النبغاء وتأثير النبوغ (3) في البيئات(4) وإن الحياة بتعميم المعارف بين الطبقات على اختلافها في الجنس والاستعداد .على أننا نشاهد اليوم شدة الحاجة إلى الشيء التافه
( 5)(كالإبرةمثلا) المجلوب من الخارج ، وما ذلك إلا لخلونا من المعارف وإعراضنا عنها وجهلنا مقار منفعتها . ويعتقد البسيط الفكر أن الأجنبي أولى بالحياة والابتكار والتنعم والنفوذ ، وإن ذلك مخصوص به اختصاصا أزليا ، والواجب على المسلم أن يستسلم للحكم القسري والقضاء الإلآهي الذي لايعقب ، وأنه في سجنه(6) -
(1) الخضوع * للأمة الإسلامية أطوار يمكن تلخيصها في ثلاثة :
1- طور النشر للدين والفتح والاستمداد من أنوار النبؤة ، 2- التدوين واستنباط الفنون وزهور مدينة الإسلام ،
2- التدلي وظهور أعداء الإاسلام على أهله وليس هذا محل الأسباب .
(2) البساطة (3) الظهور واتساع المعلومات (4) الأوساط التي يعيش فيها المرء (5) الحقير .
(6) يستدل كثير بقوله :-عليه الصلاة والسلام- ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) على بؤس ونكد حياة المؤمن، وبحبوحة نعيم الكافر جهلا بالحقيقة ، والحديث الشريف معناه الدنيا كسجن المؤمن؛ لما يعتوره من مشاق التكاليف،وكره نفسه على أدائها وقمعها عن الشهوات ، والكافر كأنه في جنته لأنها مبلغ نعيمه ، ولا يناله ما ينال المسلم من تكليف العبادات والحبس عن الشهوات ، والأدلة على ما ذكرنا لا تحصى .
جهلا منه بوجوب تعاطي الأسباب (1)-إلى غير ذلك من كل ما يصرف عن الواجب الديني والحيوي، ظنا منه أن ذلك يخفف وطأة الشقاء ونكبة العناء ، وما درى أن الشقاء بعينه والبلاء الماحق الذي أباد كثيرا من الأجيال .
صفحه ۸