فيؤمن به ويصدقه، وإمام عصره الذي افترض الله عز وجل عليه طاعته فيطيعه، لم ينفعه الله بشئ من عمله (1)، قال الله عز وجل في ذلك: (2) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا. وقال صلوات الله عليه: ولو تقطع الجاهل من العبادة إربا إربا، ما ازداد من الله إلا بعدا. وهذا مثله يزدحم ذكره على خواطرنا، ولو تقصينا ما روينا منه لقطع ما أردناه من تمام (3) هذا الكتاب، إن ذكرنا ما كان في عصر كل إمام من ذلك (4) وما شاهدناه.
وقد كان (5) في عصر المهدى بالله صلوات الله عليه وبلغنا، من خلاف رجال كانوا من أهل البصائر في الدين ومن أجلة المؤمنين (6) وممن تقدم له العناء والجهاد الذي لم يتقدم مثله لغيره، ومن دعاة كانوا يدعون إلى الله وإلى وليه، ونالوا وبلغوا من العلم (7) مبلغا لم يبلغه غيرهم، استزلهم الشيطان كما استزل من ذكرناه قبلهم، فاستهواهم، وأركسهم (8) وأرداهم فختم لهم بالشقوة وقتلوا على النفاق والضلالة، قد انسلخوا من الدين جملة، نعوذ بالله من الضلالة والشقوة، ونسأله (9) العصمة. ورأينا رجالا أيضا كانوا ممن شملتهم الدعوة، وكانت لهم البصيرة والولاية والحظوة والأعمال الصالحة، ثم ارتكبوا العظائم واستحلوا المحارم (10) وعطلوا الفرائض (11) واستخفوا بالدين، وصاروا إلى حال من قدمنا ذكره من المبدلين الظالين (12)، فعاقبهم المهدى بالله صلوات الله عليه أشد العقوبة، وأنزل بهم سوء العذاب لكل بقدر استحقاقه، وانتحاله وكفره، فقتل قوما صبرا وصلب آخرين، وأبقى قوما في السجون مصفدين، حتى هلكوا أجمعين، وأغلق باب دعوته وحجب فضل رحمته زمنا طويلا ودهرا كثيرا، حتى امتحن المؤمنين، وميز الزنادقة والمنافقين، وكان من أمره في ذلك (13) وشأن القوم ما لو ذكر على
صفحه ۵۴