ورفيع (1) مكانهم، وقرب منه الوسائل وأكد له الدلائل على أنهم آلهة غير مربوبين أو أنبياء مرسلون، أمكنه من ذلك ما أمكنه فيه وتهيأ له منه تجرأ به عليه، ودخل إلى طبقة ثالثة من مدخل الشبهات باستثقال الفرائض والموجبات (2)، فأباح لهم المحارم، وسهل عليهم العظائم في رفض فرائض الدين والخروج من جملة المسلمين الموحدين (3)، بفاسد ما أقامه لهم من التأويل، ودلهم عليه بأسوء دليل، فصاروا إلى الشقوة والخسران، وانسلخوا من جملة أهل الدين والايمان، نسأل الله العصمة من الزيغ، والخروج من الدنيا سالمين غير ناكثين، ولا مارقين، ولا مبدلين، ولا مغضوب (4) علينا ولا ضالين.
وقد روينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه أن رجلا من أصحابه شكا إليه ما يلقون من الناس، فقال: يا بن رسول الله، ماذا نحن فيه من أذى الناس، ومطالبتهم لنا وبغضهم إيانا، وطعنهم علينا، كأنا لسنا عندهم من المسلمين؟
فقال له أبو عبد الله: أو ما تحمدون الله على ذلك وتشكرونه، إن الشيطان لما يئس منكم أن تطيعوه في خلع ولايتنا التي يعلم أن الله عز وجل لا يقبل عمل عامل (5) خلعها، أغرى الناس بكم حسدا لكم عليها، فاحمدوا الله على ما وهب لكم (6) من العصمة، وإذا تعاظمكم ما تلقون من الناس، ففكروا في هذا وانظروا إلى ما لقينا نحن من المحن، ونلقى منهم، وما لقى أولياء الله (7) ورسله من قبلنا، فقد سئل رسول الله (صلع) عن أعظم الناس امتحانا وبلاء في الدنيا، فقال: الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأئمة ثم المؤمنون، الأول فالأول، والأفضل فالأفضل، وإنما أعطانا الله وإياكم ورضى لنا ولكم صفو عيش الآخرة، ثم قال (صلع): الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وما أعطى الله عبدا مؤمنا حظا من الدنيا إلا مشوبا بتكدير لئلا يكون ذلك حظه من ثواب الله عز وجل وليكمل الله له صفو عيش الآخرة.
صفحه ۴۷