أن يجتمعوا جميعا على اختيار رجل واحد منهم على اختلاف آرائهم (1) ومذاهبهم وأهوائهم. وما كان في أكثر الناس من الحسد من بعضهم لبعض. ولو كان هذا لا يكون إلا بإجماع الناس على رجل واحد لم يجتمعوا عليه أبدا، وما اجتمع (2) من حضر بالمدينة (3) على أبى بكر، قد قالت الأنصار ما قالت، وامتنع من بيعته (4) جماعة من أكابر أصحاب رسول الله (صلع) حتى كان من أمرهم ما كان، فضلا عمن غاب من أهل الآفاق والبلدان، وإن قلتم: وإن الرأي والامر في ذلك لقوم دون قوم، فأخبرونا من له ذلك دون من ليس له، بحجة من كتاب أو سنة أو اجماع؟ ولن يجدوا ذلك، وإذا كان الناس هم الذين يقدمون (5) الامام فالامام مأمور عن أمرهم، ولم يكن يملك شيئا حتى ملكوه إياه، فهم الأئمة على ظاهر هذا المعنى وهو عامل من عمالهم، ولهم إذا عزله، كما قالت المرجئة. وفساد هذا القول أبين من أن يستدل عليه ببرهان.
وقولهم: إنهم يفعلون ما لم يأمر به رسول الله (صلع) ولم يفعله، إقرار منهم بالبدعة، وهم يقولون إن الإمامة من دين الله، وقد أخبر الله عز وجل في كتابه أنه أكمل دينه، وبينا فيما تقدم أن ذلك إنما كان نزل عندما قام رسول الله (صلع) بولاية على صلوات الله عليه فكيف يقرون بأن الله عز وجل أكمل دينه ولم يبين فيه أمر الإمامة التي هي على إقرارهم منه؟ أو هل كان الله عز وجل قال ذلك ولم يكمل دينه حتى أكملوه هم، أو كان رسول الله (صلع) عاجزا وقصر عن تبيان (6) ما افترض الله عز وجل بيانه فبينوه؟ وهذا من أقبح ما انتحلوه، وأعظم ما تجرؤا به على الله عز وجل وعلى رسوله (صلع).
ونقول لمن زعم أن رسول الله (صلع) أشار إلى أبى بكر فقدموه بتلك الإشارة: وأنتم مقرون بأن الإمامة من دين الله عز وجل فهل يجوز عندكم تغيير شئ من دين الله عز وجل أو تبديله، فمن قولهم: لا، فيقال: فإن كان فرض الإمامة أن ينصب الامام بالإشارة، وكان النبي (صلع) أشار بها كما قلتم إلى أبى بكر، فكيف صنع أبو بكر بعمر، وعمر بعثمان؟ فمن قولهم إن أبا بكر
صفحه ۴۰