الفصل السابع والعشرون
أنهى محمد دراسته في كلية الطب وعين في قصر العيني، وانقطعت صلته نهائيا بعزيزة دون أن يكون له أو لها يد في هذه القطيعة؛ فقد تدخل بينهما هتلر من ألمانيا وتشرشل من إنجلترا فقطعا الصلة بينهما. توافد الجنود الإنجليز وأصبحت عزيزة شخصية مرموقة في دنيا الليل، وتفرغت لهؤلاء الزبائن تجيب طلباتهم، وتخلت عن أصدقائها القدامى مرغمة على ذلك إرغاما.
وعاد محمد إلى نفسه وحيدا، رفيقته الجديدة سماعة يعلقها على رقبته فرح بها يوما، وأسبوعا، وشهرا، ثم أحس بها طوقا حول عنقه يحيط به يوشك أن يخنقه، وعاد ضائعا. فرح بنفسه وهو يمر بالمرضى كإله صغير يشخص المرض ويصف الدواء، يوما وأسبوعا وشهرا، ثم اكتملت الصورة في ذهنه؛ إنه بهيم يدور في ساقية، والسماعة حول عنقه هي النير على رقبة البهيم. نعم هو بهيم، بهيم منذ أدرك الحياة؛ سحبه أبوه من أنفه حتى تخرج في كلية الطب، واليوم يسحبه المرض والمرضى ممسكين بسماعته، يوجهونه بها أنى يشاءون.
أريد أن أفعل أنا شيئا، أريد أنا أن أفعل شيئا. وكأنما وجد ضالته في زوجته. تذكر فجأة أنها ما زالت زوجته. لماذا؟
ولم يكلفه الأمر كثيرا؛ ورقة الزواج في يده، فما هي إلا جلسة عند المأذون الذي تكفل بإحضار الشهود حتى كانت زوجته طالقا. ووضع ورقة الطلاق في خطاب إلى أبيه، وبات ليلته غير متزوج. فكر لحظة في ابنه أحمد، وسرعان ما همست له نفسه: «البركة في الحاجة.»
وانقضى الزواج.
وأحس أنه صنع شيئا، ولكنه ما لبث أن عاد إلى السماعة والمرض والمرضى، وما لبث أن عاد ضائعا.
سمع حسين بطلاق أخيه، فقد كانت أنباء البلدة تأتيه بانتظام من صديقه حمدي. وعاود حسين الأمل القديم أن يتزوج هنية.
لماذا؟ لا أدري. كيف هي الآن؟ لا أدري.
أمل قديم طالما كنت أهفو إلى تحقيقه. كان الزواج بها مكانة أتطلع إليها، وكنت أتطلع أيضا إلى أن أصبح شيخا ذا عمامة وقور، وأنا اليوم أحاول أن أنسى العمامة ما وسعني الجهد، وكنت أرجو أن تأتي هنية هذه بالذات فتقبل طرف الجبة، وتسألني في شئون دينها؟ فأجيب. فأين أنا الآن من هذا جميعه؟ ولكني أريد أن أتزوجها.
صفحه نامشخص