بمعنى الإسقاط والترك ويجوز أن يكون المراد من كلمة «من» ولي المقتول و «من أخيه» القاتل، لأنه أخوه في الدين ومن «شيء» الواجب الذي يعطيه القاتل بطلب الولي من الذهب والفضة والإبل فيكون المعنى من جعل له من دم أخيه وهو القصاص على القاتل بدل وهو الدية فليأخذه فيكون العفو بمعنى البدل حينئذ ف «من» مبتدأ متضمن بمعنى الشرط والخبر (فاتباع بالمعروف) أي فالأمر فيه أن يتبع الطالب المطلوب بما يعرف شرعا، يعني لا يطالبه بعنف، وإذا أخذ الدية لا يطالب «1» الأكثر مما وجب عليه (وأداء إليه) أي الأمر أن يؤدي القاتل إلى ولي الدم ما وجب عليه (بإحسان) أي بلا مماطلة ولا نقص وفيه تأديب لولي الدم وللقاتل (ذلك) أي ما ذكر من العفو وأخذ الدية (تخفيف) أي تيسير وتوسعة (من ربكم) لكم (ورحمة) منه حيث لم يحرم العفو وأخذ الدية، بل خيركم بين القصاص والعفو وأخذ الدية، وإنما قال ذلك لأن القصاص كان واجبا على اليهود في التورية لا غير وأخذ الدية كان واجبا على النصارى في الإنجيل لا غير، قال الشافعي رحمه الله: الولي مخير إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن لم يرض به القاتل، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه له أن يأخذ الدية برضا القاتل «2» (فمن اعتدى) أي تجاوز ما شرع له فقتل الجاني أو قتل غير القاتل (بعد ذلك) أي بعد أخذ الدية وقبولها (فله عذاب أليم) [178] أي وجيع في الآخرة أو بأن يقتل قصاصا ولا يقتل منه دية لقوله عليه السلام: «لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية» «3».
[سورة البقرة (2): آية 179]
ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون (179)
(ولكم في القصاص) أي في هذا الحكم الذي هو القصاص (حياة) أي بقاء عظيم، لأنهم كانوا يقتلون بالواحد الجماعة، فاذا علم القاتل أنه يقتل إذا قتل لا يقدم على القتل وإذا قتل فقتل ارتد غيره فكان القصاص سبب حيوة نفسين أو أكثر (يا أولي الألباب) أي ذوي العقول (لعلكم تتقون) [179] القتل مخافة القصاص.
[سورة البقرة (2): آية 180]
كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين (180)
قوله (كتب عليكم) نزل حين كانوا يوصون للأجنبي ولم يوصوا الذي القرابة شيئا لرفع ذلك «4»، أي فرض ووجب عليكم (إذا حضر) أي دنا (أحدكم الموت) أي أسبابه من الأمراض فظهرت أماراته (إن ترك خيرا) أي مالا كثيرا طيبا يغني الورثة ويفضل والخير في الأصل كل ما يرغب فيه لنفعه، قوله (الوصية) مرفوع فاعل «كتب» أو وجب أن يوصي (للوالدين والأقربين) ممن يرث ومن لا يرث (بالمعروف) أي بالعدل، يعني لا يزيد على الثلث ولا يوصي لغني دون الفقير (حقا على المتقين) [180] أي حق ذلك حقا على من يتقي «5» الله تعالى ويمتثل أمره، قيل: كان وجوب الوصية لهم قبل نزول آية المواريث، ثم نسخ بها وبقوله عليه السلام «إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» «6»، والحق هذا بالمتواتر وإن كان خبر الواحد، لأن الأمة تلقته بالقبول ثم اختلفوا بالوصية، قال بعض هي مباحة فمن شاء أوصى ومن شاء لم يوص وقال بعض إن كان عليه حج أو كفارة أو شيء من الواجبات فالوصية واجبة وإلا فهو بالخيار إن شاء أوصى وإن لم يشأ لم يوص وعليه الفتوى.
[سورة البقرة (2): آية 181]
فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم (181)
(فمن بدله) أي غير الإيصاء عن وجهه الشرعي (بعد ما سمعه) أي الإيصاء وحققه (فإنما إثمه) أي إثم الإيصاء المغير (على الذين يبدلونه) أي الإيصاء من الأوصياء والشهود لا على الموصي وهو الميت، فانه بريئ منه
صفحه ۹۱