إلى الله، روي: أنه عليه السلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلوة «1» وإنما خص الصبر والصلوة بالذكر، لأن الصبر أشد الأعمال الباطنة على البدن، والصلوة أشد الأعمال الظاهرة عليه، لأنها مجمع أنواع الطاعات من الأركان والسنن والآداب والحضور والخضوع والتوجه والسكون وغير ذلك مما يتيسر حفظها إلا بتوفيق الله تعالى (إن الله مع الصابرين) [153] على الطاعة بالعون والنصرة.
[سورة البقرة (2): آية 154]
ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (154)
قوله (ولا تقولوا) نزل في الشهاداء الذين قتلوا ببدر «2» أو عند بئر معاوية «3»، وكان الناس يقولون مات فلان وانقطع عنهم نعيم الدنيا فقال تعالى نهيا عن ذلك القول لا تقولوا (لمن يقتل في سبيل الله أموات) فاللام زائدة، و«من» مبتدأ، خبره «أمواب» أو اللام ثابتة و«أموات» خبر مبتدأ محذوف، أي لا تقولوا لأجلكم هم أموات (بل) هم (أحياء) أي كالأحياء في الحكم، لأن ثوابهم يجري إلى يوم القيامة أو لأنهم يسرحون في الجنة حيث شاؤا، قيل: «تعرض «4» أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض «5» النار على أرواح الكفار فيصل إليهم الوجع» «6» (ولكن لا تشعرون) [154] كيف حالهم في حيوتهم.
[سورة البقرة (2): آية 155]
ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155)
(ولنبلونكم) أي لنختبرنكم أيها المؤمنون ليتميز بينكم المطيع والعاصي، لا لنعلم ما لم نعلم به قبله (بشيء من الخوف) أي من خلف العدو أو خوف الله تعالى (والجوع) أي من القحط أو صوم رمضان (ونقص من الأموال) أي وبنقص حادث من الأموال كالهلاك والخسران أو بالزكوة والصدقة (والأنفس) أي وبنقص حاصل للأنفس من القتل والموت والمرض والضعف والهرم (والثمرات) أي وبنقص الثمار بالآفة والاستئصال أو المراد موت الأولاد التي هي ثمرة القلب، قيل في الخبر: «إذا مات ولد لعبد قال الله للملائكة أقبضتم ثمرة قلبه؟ فيقولون: نعم، فيقول تعالى: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد» «7» (وبشر) يا محمد (الصابرين) [155] المسترجعين عند البلاء لتسليمهم لأمر الله.
[سورة البقرة (2): آية 156]
الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156)
ثم وصفهم بقوله (الذين إذا أصابتهم مصيبة) أي نائبة ما من الله (قالوا إنا لله) أي نحن عبيده ومماليكه في الحيوة (وإنا إليه راجعون) [156] بعد الموت راضون بحكمه، يعني صبروا عليها ولم يجزعوا، قيل في الخبر:
«من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته» «8».
[سورة البقرة (2): آية 157]
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (157)
(أولئك) أي أهل هذه الصفة (عليهم صلوات) والصلوة منه تعالى الرحمة، والمراد منها التعطفات المتوالية (من ربهم ورحمة) أي مغفرة لذنوبهم، قيل: إنما جمع بين الصلوات والرحمة للإيذان بأن رحمته غير منقطعة عنهم، أي رحمة بعد رحمة «9»، وقيل: المراد من الصلوات توفيق الطاعة والعصمة عن المعصية ومغفرة
صفحه ۸۳