لرؤف) بضم الهمزة مع الواو الساكنة ومع غيرها «1»، أي ذو مرحمة عظيمة لهم حيث لا يضيع أجروهم ولا يترك ما يصلحكم (رحيم) [143] بمغفرة «2» ذنوبكم بالإيمان وإيصال الرزق إليهم.
[سورة البقرة (2): آية 144]
قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون (144)
قوله (قد نرى) رأس قصة تحويل القبلة، فيكون متأخرا لفظا ومتقدما معنى على قوله «سيقول السفهاء»، وكان النبي عليه السلام حين هاجر إلى المدينة من مكة يتوقع من ربه أن يصرفه عن قبلة اليهود إلى غيرها ينظر إلى السماء رجاء أن ينزل عليه الوحي بالتوجه إلى الكعبة لكونها قبلة إبراهيم عليه السلام وسائر الأنبياء لكونها أدعى للعرب إلى الإسلام، لأنها مفخرهم ومأمنهم، فنزل «قد نرى» «3»، أي نقلم ونشاهد (تقلب وجهك) أي تردده وتصرف نظرك (في السماء) أي في جهتها (فلنولينك) أي فلنعطينك أو ولنحولنك في الصلوة (قبلة) أي إلى قبلة «4» (ترضاها) أي تحبها وتهواها وهي الكعبة فأمره الله «5» بالتوجه إليها فقال (فول) أي اصرف (وجهك) أي واستقبل به (شطر) أي تلقاء (المسجد الحرام) أي المحرم وأراد منه الكعبة، وفيه دليل على أن الواجب في الصلوة استقبال الجهة ومراعاتها، لأن الكعبة في داخله ، فلا يكون المراد منه العين، لأنه حرج عظيم على البعيد منها، قال الشافعي رحمه الله: الواجب استقبال الجهة لمن هو خارج المسجد الحرام «6» سواء كان بمكة أو لم يكن، وعند أبي حنيفة رحمه الله الواجب إصابة العين إذا كان بمكة (وحيث ما كنتم) أي أينما تكونوا من بر أو بحر (فولوا) أو اصرفوا (وجوهكم) مصلين (شطره) أي نحوه، قيل: تحويل القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل بدر بشهرين ورسول الله في مسجد بني سلمة في المدينة، وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلوة الظهر فتحول في الصلوة واستقبل الميزاب وجعل الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين، فثم قالت اليهود هذا شيء يبتدعه محمد من تلقاء نفسه فنزل «7» (وإن الذين أوتوا) أي أعطوا (الكتاب) من اليهود والنصارى (ليعلمون أنه) أي أن تحويل القبلة إلى الكعبة هو (الحق) أي الثابت (من ربهم) لا من تلقاء نفس محمد، لأنه عليه السلام كان من بشارة أنبيائهم أنه يصلى إلى القبلتين (وما الله بغافل عن ما يعملون) [144] بالتاء والياء «8» من إنكارهم التحويل إلى الكعبة فيجازيهم.
[سورة البقرة (2): آية 145]
ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين (145)
ثم قال اليهود والنصارى: إئتنا بعلامة على صدق قولك يا محمد فنزل «9» (ولئن أتيت) باللام لتوطئة القسم في حرف الشرط، أي والله لئن جئت يا محمد (الذين أوتوا الكتاب بكل آية) أي بكل معجزة دالة على صدقك في أمر التحويل وغيره (ما تبعوا قبلتك) أي ما يتبعون كلهم قبلتك أو هو عام مخصوص بمن أسلم منهم وهو ساد مسد حواب القسم، قوله (وما أنت بتابع قبلتهم) حسم لطمعهم عود النبي عليه السلام إلى توجه قبلتهم، أي ما أنت بمصل إلى قبلتهم، لأنك على الحق وهم على الباطل فلا نسخ لقبلتك أبدا، وأفردت القبلة في قوله
صفحه ۸۰