مات باليهودية، فقال تعالى أتدعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم حضورا «1» (إذ حضر يعقوب الموت) أي أمارته وقرب منه، ف «أم» منقطعة بمعنى الإنكار، فالخطاب للكافرين من اليهود، أي ما كنتم حاضرين عند موته وإلا لما ادعيتم عليه اليهودية ولكان حرصكم «2» على ملة الإسلام (إذ قال لبنيه) ظرف بدل من «إذ» قبله والعامل فيه «شهداء»، أي قال مستفهما عن دينهمم (ما تعبدون من بعدي) أي بعد موتي و«ما» للاستفهام تعم العقلاء وغيرهم (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك) فعنى الله به أنكم لم تكونوا حاضرين في ذلك فأنتم تقولون بما لا علم لكم به، فبين بذلك أن وصية يعقوب لبنيه كانت بخلاف ما قالت اليهود، قوله (إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) عطف بيان لقوله «آبائك»، قيل: وعد إسمعيل أبا وإن كان عما، لأن العرب تسمي «3» العم أبا والخالة أما «4»، وقوله (إلها واحدا) بدل من إله آبائك، وقوله (ونحن له مسلمون) [133] أي مخلصون بالتوحيد في محل النصب على الحال من ضمير المتكلم في «نعبد»، أو من مفعوله وهو إلهك.
[سورة البقرة (2): آية 134]
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون (134)
قوله (تلك) إشارة إلى إبراهيم وأولاده الموحدين إسمعيل «5» وإسحق ويعقوب، أي الجماعة المذكورة (أمة قد خلت) أي مضت (لها ما كسبت) من الأعمال (ولكم ما كسبتم) من الأعمال، يعني لا ينفع كل أحد منهم إلا ما كسب ولا ينفعكم إلا ما كسبتم (ولا تسئلون عن ما كانوا يعملون) [134] أي لا يسأل أحد من عمل غيره، يعني لا تؤاخذون بسيئاتكم كما لا تنتفعون بحسناتهم، وهذا رد لافتخارهم بأوائلهم وبقولهم نحن على دينهم.
[سورة البقرة (2): آية 135]
وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (135)
(وقالوا كونوا هودا أو نصارى) الآية نزل حين اختصم يهود أهل المدينة ونصارى أهل نجران، فقال اليهود للمسلمين: لا دين إلا ديننا فكونوا معنا، وقال النصارى لهم: بل ديننا أفضل فكونوا معنا، ثم سألوا رسول الله عن ذلك فقال لهم كلكم على الباطل «6» فأخبر عن الفريقين بقوله «وقالوا»، أي اليهود كونوا على دين اليهودية، وقال النصارى كونوا على دين النصرانية (تهتدوا) أي تجدوا الهداية من الضلالة فقال تعالى لنبيه (قل) يا محمد (بل ملة إبراهيم حنيفا) أي بل نكون على «7» ملة، أي من أهل ملة إبراهيم أو بل نتبع ملته مخلصا، والحنيف المائل عن كل دين باطل إلى دين الحق وإنه كان مستقيم الدين (وما كان من المشركين) [135] وفيه توبيخ لكفار أهل الكتاب، فانهم يدعون أنهم على ملة إبراهيم وهم ثابتون على الشرك.
[سورة البقرة (2): آية 136]
قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (136)
قوله (قولوا آمنا) نزل خطابا للكافرين، أي قولوا آمنا لتكونوا على الحق، ويجوز أن يكون خطابا للمؤمنين حين قرأ أهل الكتاب التورية وفسروها بالعربية، فقال عليه السلام: «لا تصدقوهم ولا تكذبوهم» «8»، لأن فيه تكذيب الأنبياء، فقال المؤمنون كيف نقول حتى لا نكذب أحدا من الأنبياء فعلمهم الله بأن يقولوا آمنا (بالله وما أنزل إلينا) أي بالقرآن الذي أنزل على نبينا (وما أنزل إلى إبراهيم) من صحفه العشر (و) بما أنزل إلى (إسماعيل وإسحاق ويعقوب و) إلى (الأسباط) جمع سبط، وهو بمنزلة القبيلة للعرب، قيل: السبط
صفحه ۷۶