صنيعهم، يعني عظة وتذكرا (لما بين يديها) أي لما تقدمها من القرى، لأن قصة هؤلاء مذكورة في كتب الأولين (وما خلفها) من القرى، فاذا علموا بها اتعظوا ويمتنعوا عن المعصية أو جعلنا تلك العقوبة عقوبة لما عملت من الذنوب قبل المسخ ولما عملت حين المسخ (وموعظة) أي نصيحة وعبرة (للمتقين) [66] أي الخائفين من أمة محمد عليه السلام.
[سورة البقرة (2): آية 67]
وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين (67)
(وإذ قال موسى) أي اذكروا وقت قوله (لقومه) أي لبني أسرائيل حين قتل رجل فقير ابن عم له غنيا ليرثه ثم حمله وألقاه إلى جانب قرية قريبة من قريته، فأصبح أهل القرية والقتيل بين أظهرهم، فأخذوا بالقتيل وجاؤا به إلى موسى وجاء الفقير مع أهل قريته إلى موسى يدعي عليهم القتل فهم أهل القريتين أن يقتتلوا بالسلاح، فقال رجل أتقتتلون وفيكم نبي الله موسى، فدعا الله في ذلك لتبيين أمر المقتول وذلك قبل نزول القسامة «1»، فأوحى الله إلى موسى وقال (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) فتضربوا ببعضها بعض أعضاء الميت فيحيي فيخبركم من قتله (قالوا) لموسى (أتتخذنا هزوا) بسكون الزاء مع الهمزة «2» وضمها بلا همزة «3» وبضمها مع الهمز «4»، أي أهل هزو، وهو السخرية، يعنون أتستهزىء بنا نحن نسأل عن أمر القتيل وأنت تأمرنا بذبح البقرة، ولا تطابق بين السؤال والجواب (قال) موسى (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) [67] أي المستهزئين، لأن الهزء من فعل الجاهلين.
[سورة البقرة (2): الآيات 68 الى 69]
قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون (68) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين (69)
(قالوا) يا موسى (ادع) أي سل (لنا ربك يبين) أي يوضح (لنا ما هي) أي ما سنها وما صفتها من الصغر والكبر (قال) موسى (إنه) أي الله (يقول إنها بقرة لا فارض) أي مسنة من الفرض وهو القطع، لأنها قطعت السن، أي بلغت آخرها (ولا بكر) أي صغيرة لم تلد قط، مأخوذ من باكورة الفاكهة ولم يؤنث لأنه كالحائض في الاختصاص بالأنثى، وارتفاعهما بخبرية مبتدأ محذوف، أي لا هي كبيرة ولا صغيرة (عوان بين ذلك) أي وسط بين الكبيرة والصغيرة، وإنما أفرد ذلك و«بين» يقتضي الإضافة إلى المتعدد، لأنه في معنى شيئين حيث أشير به إلى ما ذكر من الفارض والكبر وإنما جاز أن يشار به إلى مؤنثين، وهو موضوع لأن يشار به إلى واحد مذكر، لأنه مؤول بالمذكر للاختصار في الكلام أو لأنه اسم الإشارة، يكثر استعماله في كلاهم، فاستحسن الإفراد، إذ تثنيته وجمعه وتأنيثه ليس بحقيقة (فافعلوا ما تؤمرون) [68] أي الذي أمركم الله به من ذبح القرة ليتبين لكم القاتل ولا تسألوا ثم سألوا عن لونها (قالوا ادع لنا ربك يبين) أي يعلم (لنا ما لونها) من الألوان (قال) لهم موسى (إنه) أي الله (يقول إنها بقرة صفراء) والصفرة لون بين البياض والسواد (فاقع لونها) أي خالص شديد الصفرة، وهي جملة من المبتدأ والخبر صفة البقرة أو فاقع صفة صفراء و«لونها» مرفوع على أنه
صفحه ۵۳