واسعة، فأخذ من يدها فأكل بعد امتناع «1»، فأخبر تعالى بقوله (فأزلهما) أي أذهبهما (الشيطان عنها) أي عن الجنة، وقريء «فأزالهما» «2» أي نحاهما (فأخرجهما مما كانا فيه) من النعيم، وسقط عنهما ما كان عليهما من الحلل والحلي، وعريا عن الثياب حتى بدت عورتهما، وهربا استحياء، فقال تعالى: أمني تهرب يا آدم: قال لا ولكن حياء من ذنبي، فأخذا من أوراق التين وألزقا على عوراتهما، وقال: ألم أنهكما «3» عن أكل هذه الشجرة؟
فقال: بلى ولكن ما كنت أعلم أن أحدا يحلف بك كاذبا ثم أمرهما الله بأن ينزلا من الجنة إلى الأرض، فنزلا فوقع آدم بأرض الهند وحواء بأرض الجد «4»، وأخبر عن ذلك بقوله (وقلنا اهبطوا) أي أنزلوا استخفافا بكم، والمراد بالخطاب لهما ولإبليس والحية، وقيل: لهما ولذرياتهما «5»، ويدل عليه قوله تعالى في سورة طه «اهبطا منها جميعا» «6» (بعضكم لبعض عدو) أي أعداء، والجملة حال، أي متعادين، وفسرت العداوة بالعداوة بين المؤمنين وإبليس أو بالتي بين ذرية آدم من ظلم بعضهم بعضا بشؤم عصيان آدم (ولكم في الأرض مستقر) أي مكان قرار على وجهها (ومتاع) أي عيش وحيوة (إلى حين) [36] أي إلى الموت، فان قيل «7»: كيف توصل الشيطان إلى إزلالهما عن الجنة وقد قيل له أخرج منها فانك رجيم؟ أجيب بأنه منع دخولها على جهة الإهانة، فلم يلزم منه وجوب الخروج، فجاز أن يدخل فيها على جهة الوسوسة ابتلاء لآدم وحواء.
[سورة البقرة (2): آية 37]
فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37)
(فتلقى) أي أخذ وحفظ، وأصل التلقي القبول عن فهم وفطنة (آدم من ربه كلمات) وهي قوله «ربنا ظلمنا أنفسنا» «8» الآية، قرئ «9» برفع «آدم» ونصب «كلمات» مفعولا، وبنصب «آدم» ورفع «كلمات» على معنى استقبلته كلمات من ربه واتصلت به، يعني ألهمه بها فاعتذر وتضرع إليه باكيا طالبا منه التوبة (فتاب عليه) أي تجاوز الله عن ذنوبه، والتوب: الرجوع في الأصل (إنه هو التواب) أي المتجاوز عن الذنوب مرة بعد أخرى وإن كثر (الرحيم) [37] أي كثير الرحمة لعباده المؤمنين.
[سورة البقرة (2): الآيات 38 الى 39]
قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (38) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (39)
وكرر أمر الهبوط بقوله (قلنا اهبطوا منها جميعا) لشدة عنايته تعالى بانزالهم من الجنة، و «جميعا» نصب على الحال من ضمير الجمع، تأكيد «10» للجماعة من آدم وحواء وإبليس والحية، قيل: نزل إبليس بالابلة والحية باصفهان «11»، ودلت الآية على أن المعصية تزيل النعمة عن صاحبها كما قال القائل «إذا كنت في نعمة فارعها فان المعاصي تزيل النعم» «12»، ثم قال (فإما يأتينكم) أي إن يجئكم (مني هدى) أي رشد وبيان شريعة بارسال الرسل، فقوله «فإما» شرط مركب من «إن» و «ما» زائدة للتأكيد، وجوابه (فمن تبع) أي انقاد واقتدي
صفحه ۴۳