چشمان گماز بر اسرار رمزاور
العيون الغامزة على خبايا الرامزة
أقول: قوله «تاسيسا» معطوف على «رويا»، أي تحوز القافية رويًا وما ذكره بعده، وتحوز أيضًا تأسيسًا. والمراد به ألفٌ تكون قبل الروي بينهما حرفٌ واحدٌ. مأخوذ من تأسيس البناء، لأن الشاعر يبني القصيدة عليه. وأراد الناظم بالهاوي الألف، لأن الهاوي من صفاته، وهو منصوب على أنه بدل من قوله تأسيسًا إلا أنه سكّنه للضرورة، وهو الضرائر المستحسنة كقوله: رُدَّت عليه أقاصيهِ ولَبَّدَهُ وقوله «وثالثه الروي» يريد به ما قدمناه من انه قبل حرف الروي بحرفٍ فيكون الرويّ ثالثًا له، كقوله: أهاجك من أسماءَ رسمُ المنازل وقوله «من كلمة أو أخر إضمار ما تلا» يريد أنه لا بد أن يكون حرف الرويّ الذي هو ثالث التأسيس من كلمةٍ هي كلمة التأسيس، أي أن يكونا جميعًا في كلمة واحدة كما تقدم، أو يكون الروي من كلمة أخرى غير كلمة التأسيس إلا أنها ذات إضمار، بحيث يكون الرويّ بعض تلك الكلمة التي هي من الضمائر، كما في قوله:
فإن شئتما ألقحتما ونتجتما ... وإن شئتما مثلُ بمثلٍ كما هُما
وإن كان عقلٌ فاعقلا لأخيكما ... بنات المخاض والفصال المقا حما
فجعل ألف «كما» تأسيسًا لما كان الروي بعض اسم مضمر وهو الميم من «هما» . أو يكن الرويُّ هو الكلمة المضمرة كما في قوله:
أَلا ليت شعري هل يرى الناسُ ما أرى ... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
بدا لي أنيِّ لستُ مدرك ما مضى ... ولا سابقًا شيئًا إذا كان جائيا
فجعل ألف «بدا» وإن كانت منفصلة تأسيسًا لمَّا كان الرويُّ جملة اسم مضمر، وهو الياء من «لي» . وقول الناظم «أواخر» أراد به «أخرى» فحذف الألف لإقامة الوزن وهو قبيح جدًا. وقوله «إضمار ما تلا» بدلٌ من «أخرى»، أي ذات إضمار ما تلا. وفي تنزيل كلام الناظم على ما قاله القوم في هذا المحلّ قلقٌ، وذلك لأنهم قالوا إن الألفَ قد تكون في كلمةٍ وحرف الرويّ في أخرى، وقد يكونان معًا في كلمة واحدة، فإن كان الأول فإما أن يكون في الكلمة التي فيها حرف الروي ضمير أولًا، فإن لم يكن فيها ضمير فالألف ليست تأسيسًا بوجهٍ فلا يلزم إعادتها، بل يجوز في موضعها غيرها من الحروف، كقول عنتلاة:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تذرُ ... للحرب دائرةٌ على ابنى ضمضم
الشاتمَى عِرضى ولم أشتمهما ... والنّاذرينِ إذا لمَ ألقهما دمِى
وقول الآخر:
حننتَ إلى رَيّا ونفسكُ باعدت ... مزاركَ من ريّا وشعبا كما معَا
فما حَسَنٌ أن تأتى الأمر طائعًا ... وتجزعَ أن داعى الصبابةِ أَسمعا
واختار أبو العباس جواز التزامها تأسيسًا، واستدل بما أنشده ابنُ جنى في «الخصائص» من رواية أبي زيد:
وأطلس يهديهِ إلى الزاد أنفُهُ ... أطاف بنا والليلُ داجى العساكرِ
فقلت لعمرٍ وصاحبي إِذ رأيتهُ ... ونحنُ على خُوصٍ دقاقٍ عوى سِرِ
أي عوى الذئب سِرْ، فأسس بألف «عوى» مقابلًا بها ألفَ «العساكر» التي لا تقع إلا تأسيسًا. وأما إذا كانت كلمة الرويّ ضميرًا والرويّ هو الضمير، أو بعضه كما سبق، فلك أن تجعل الألف تأسيسًا إلحاقًا لها بالكلمة الواحدة، فيلزم حينئذ في القصيدة كلها، وهو الكثير في أشعارهم، ولك أن لا تجعلها تأسيسًا إلحاقًا لها بالكلمتين الظاهرتين. فمن الأول قوله: أَلا ليت شعري هل يرى الناسُ ما أرى من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
بدا لي أنيِّ لستُ مدرك ما مضى ولا سابقًا شيئًا إذا كان جائيا
ومن الثاني قوله: أيةُ جاراتكَ تلك الموصيهقائلةً لا تسقين بحبليهْلو كنت حبلًا لسقيتها بيهْأو قصرًا وصلته بثوبيهْ
1 / 87