منع اليبس
قَالَ حنين لما كَانَ الْمَوْت إِنَّمَا يعرض عِنْد غَلَبَة اليبس وَالْبرد وَكَانَ هَذَانِ جَمِيعًا يخفقان الْبدن الْمَيِّت سميت بِهَذَا السَّبَب المهنة الَّتِي تحفظ على الْأَبدَان الْقَائِمَة حَرَارَتهَا ورطوبتها كَيْمَا تلبث على الْحَيَاة باسم يدل على عدمان اليبس
وَقَالَ جالينوس فَيَقُولُونَ أَنه ابْن أفوللن وَابْن فلاغواس وقورونس مهديته وَأَنه مركب من مائت وَغير قَابل للْمَوْت
فيدلون بِهَذَا القَوْل على أَن عنايته بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ من جنسه وَأَن لَهُ طبيعة لَا تَمُوت أفضل من طبيعة الْإِنْسَان
وَإِنَّمَا اشتق لَهُ الشَّاعِر هَذَا الِاسْم أَعنِي أسقليبيوس من أَعمال الطِّبّ وَأما قَوْلهم أَنه ابْن فلاغواس فَلِأَن هَذَا الِاسْم مُشْتَقّ من اسْم اللهيب أَعنِي ابْن الْقُوَّة الملهبة الحيوانية
قَالَ حنين إِنَّمَا سمي بِهَذَا الِاسْم لِأَن الْحَيَاة تكون بِحِفْظ الْحَرَارَة الغريزية الَّتِي فِي الْقلب والكبد اشتق لَهَا اسْم من اللهيب لِأَنَّهَا من جنس النَّار
قَالَ جالينوس وَأما قَوْلهم أَنه ابْن قورونس فَلِأَن هَذَا الِاسْم مُشْتَقّ من الشِّبَع واستفادة الصِّحَّة
قَالَ حنين إِنَّمَا سمي بِهَذَا الِاسْم ليدل على أَن الشِّبَع من الطَّعَام وَالشرَاب إِنَّمَا يتم للْإنْسَان بصناعة الطِّبّ إِذا انهضم طَعَامه لِأَن حفظ الصِّحَّة إِنَّمَا يكون بِهَذِهِ المهنة وَكَذَلِكَ أَيْضا ردهَا إِذا زَالَت
قَالَ جالينوس وَأما قَوْلهم أَنه ابْن أفوللن فَلِأَن الطَّبِيب يحْتَاج أَن يكون مَعَه شَيْء من التهكن لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْوَاجِب أَن يَخْلُو الطَّبِيب الْفَاضِل من معرفَة الْأَشْيَاء الْحَادِثَة فِيمَا بعد
قَالَ حنين يَعْنِي تقدمة الْمعرفَة الطبية
قَالَ جالينوس وَقد آن لنا أَيْضا أَن نتكلم فِي صُورَة أسقليبيوس وثيابه وتمكنه
وَذَلِكَ أَن الْأَقَاوِيل الَّتِي نجدها مَكْتُوبَة فِي تألهه إِنَّمَا تلِيق بالخرافات لَا بِالْحَقِّ
وَمن الْمَشْهُور من أمره أَنه رفع إِلَى الْمَلَائِكَة فِي عَمُود من نَار كَمَا يُقَال فِي ديونوسس وأيرقليس وَسَائِر من أشبههما مِمَّن عني بنفع النَّاس واجتهد فِي ذَلِك
وَبِالْجُمْلَةِ يُقَال أَن الله ﵎ فعل بأسقليبيوس وَسَائِر من أشبهه هَذَا الْفِعْل كَيْمَا يفني الْجُزْء الْمَيِّت الأرضي مِنْهُ بالنَّار ثمَّ يجتذب بعد ذَلِك جزءه الَّذِي لَا يقبل الْمَوْت وَيرْفَع نَفسه إِلَى السَّمَاء
قَالَ حنين جالينوس فِي هَذَا الْموضع يبين كَيفَ يكون تشبه الْإِنْسَان بِاللَّه ﵎
وَذَلِكَ أَنه يَقُول إِن الْإِنْسَان إِذا أباد شهواته الجسمانية بِنَار الصَّبْر والإمساك عَنْهَا وَهِي الَّتِي يُرِيد بهَا جزءه الْمَيِّت الأرضي وزين نَفسه الناطقة بعد النَّفْي من هَذِه الشَّهَوَات بالفضائل وَهِي الَّتِي يُرِيد بهَا الِارْتفَاع إِلَى السَّمَاء كَانَ شَبِيها بِاللَّه ﵎
قَالَ جالينوس وَأما صورته فصورة رجل ملتح متزين بجمة ذَات ذوائب
وَمِمَّا يبْحَث من
1 / 34