31

قطع العلائق للتفكر في عبودية الخلائق

قطع العلائق للتفكر في عبودية الخلائق

ناشر

مركز تأصيل علوم التنزيل للبحوث العلمية والدراسات القرآنية

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٤٣ هـ

محل انتشار

القاهرة - مصر

ژانرها

العبادة، وقد أُفْرِدَت الاستعانةٌ هنا عن العبادة في هذا المقام وذكرت معها؛ لكونها وسيلة وطريق مؤد إليها. وفي بيان فضلها وعظيم منزلتها يقول ابنُ القيِّم ﵀-: وَسِرُّ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَالْكُتُبِ وَالشَّرَائِعِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ انْتَهَى إِلَى هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، وَعَلَيْهِمَا مَدَارُ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّوْحِيدِ، حَتَّى قِيلَ: أَنْزَلَ اللَّهُ مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ، جَمَعَ مَعَانِيَهَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَجَمَعَ مَعَانِيَ هَذِهِ الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَجَمَعَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ فِي الْمُفَصَّلِ (^١)، وَجَمَعَ مَعَانِيَ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَمَعَانِيَ الْفَاتِحَةِ فِي (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة: ٥). (^٢) وقد جمعت هذه الآية على وجازتها من الفوائد دررًا، ومن البلاغة كنوزًا، وسنشير إلى شيء من ذلك: أولًا: السرُّ في تقديم ما حقُّه التَّأخير فقد قُدِّم المفعولُ على الفعل في الآية وهذا فيه ثلاث فوائد (^٣): الأولى: فيه أَدَبُ العِبَادِ مَعَ اللَّهِ بِتَقْدِيمِ اسْمِهِ عَلَى فِعْلِهِمْ. الثَّانية: فِيهِ الِاهْتِمَامُ وَشِدَّةُ الْعِنَايَةِ بِهِ. الثَّالثة: فِيهِ الْإِيذَانُ بِالِاخْتِصَاصِ، الْمُسَمَّى بِالْحَصْرِ، فَهُوَ فِي قُوَّةٍ: لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ، وَلَا نَسْتَعِينُ إِلَّا بِكَ.

(^١) - والمفصل هو ما يلي المثاني من قصار السُّور إلى آخر القرآن، وَهو: مِنَ الْحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وسمِّي بالمفصَّل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة، وقيل: لقلّة المنسوخ منه، ولهذا يسمّى بالمحكم أيضًا، كما روى أحمد في المسند (٢٢٨٣) بسند صحيح عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ- ﵄، قَالَ: (إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ)، ورواه البخاري في صحيحه (٥٠٣٥) ولكن جعله من كلامِ ابنِ جبير-﵀. (^٢) - وهذ الأثر قد عزاه غير واحد من أهل العلم ونسبه للحسن البصري، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١٤/ ٧)، وابن عادل الحنبلي في: اللباب في علوم الكتاب (١/ ١٦٤)، والفخر الرازي في تفسيره: مفاتيح الغيب (١/ ١٦٠). (^٣) - مدارج السَّالكين (١/ ٩٨).

1 / 29