165

فكأنما سلك تصرف الإنجليز من خمس سنوات في سلسلة من الألاعيب نهايتها للتسلط على مصر في هذا المؤتمر بدعوى ثروة المالية المصرية، وإن عجزها من الخيانة فيها، وتوسلوا بذلك لانقلاب في هيئة الحكومة، ثم ألجئوا عرابي للدخول في العصيان ليعتلوا به في الزحف لتأييد الحاكم، ثم وسعوا دائرة الخلل؛ ليكون وسيلة إلى سلطة لا تحد يؤملون نيلها في هذا المؤتمر.

زينوا للدولة العثمانية أن تصول على السودان مع وجود عساكرهم في مصر، ثم تخرج وقد مهدت لهم مصر والسودان معا، فلما لم تنخدع لهم وحق لها أن لا ترضى، شدوا عليها بالتهديد قائلين: إنهم لا يسمحون لعسكري تركي أن يذهب إلى السودان من بعد، ولو لم تقبل الدولة العثمانية حضور نائب لها في المؤتمر على أنه منحصر في المالية فإنه سينعقد بدون رضاها.

ولئن كان الإنجليز صادقين في طلبهم إقرار الراحة في مصر لوكلوه إلى عساكر العثمانيين وفوضوا الأمر لحازم حاذق من أمراء المصريين؛ فإن في ذلك إطفاء للفتن وتثبيتا للسلم، ولا خوف من الدولة على الاستقلال المصري فليس من شأنها أن تنقض عهد دولة واحدة في هذا الوقت فضلا عن عهود الدول.

ولكن لا يهولن الدولة هذا التهديد، فدعوة محمد أحمد بلغت في الهنديين وتغلغلت، وخبر قرب الروس منهم ملأ آذانهم، والإنجليز يتوقعون الفتنة فيهم ساعة بعد ساعة، والقوة الإنجليزية قاصرة عن مدافعة محمد أحمد، فلو ثبتت الدولة العثمانية لخضع الإنجليز لقوة الحوادث رغما عنهم، فإنهم يفرقون من أن يشاع عنهم أنهم مضادون للدولة العثمانية، فالثبات الثبات والله المستعان.

الفصل الثامن والستون

برهمن لاهور

قد انكشفت لفندت اللاهوري (صاحب جريدة أخبار عام) أن ما أنذرنا به عند دخول روسيا في مرو من وشك دخولها في سرخس ليس من قبيل كان ويكون وسيكون، فقد دخلت روسيا مدينة سرخس برضاء من التركمان - كما قدمنا في العدد الماضي - فليس له أن يستبطئ سير الهول الشمالي ليدكدك أسوار الحكومة التي يظهر المدافعة عنها (وهي الحكومة الإنجليزية)، فعما قريب تظله هبوة الزحف في أرض بنجاب تحت جدران، وله بعد أن رأى ما رأى من صدق ما نقول أن يطمئن إلى ما ننبئ به فيما بعد؛ فإننا نحكي عن طبائع الأمم وحقائق السياسة ومقتضياتها وليس يغني ظنه من الحق شيئا.

الفصل التاسع والستون

هذا

سررنا بملاقاة أفاضل من أرباب الجرائد في مصر أتوا إلى أوروبا ليحضروا مؤتمرا في لندن، ويقفوا على دقائق المفاوضات التي تجري فيه متعلقة بالمسألة المصرية، وينشروها مع ما تجود به قرائحهم من الرأي الصحيح في جرائدهم تنويرا للأفهام، وتنبيها للأفكار، فحمدنا سعيهم، وشكرنا صنيعهم، وأعظمنا همتهم في خدمة البلاد المصرية، قياما بما فرضته عليهم الجامعة المشرقية، وما أوجبته ذمة الجوار، وإن لم يكونوا ممن نبت في تراب مصر، ولا جبل من طينتها.

صفحه نامشخص