الشيخ الميرغني
وردت برقية من سواكن في 21 مارس مفادها أن الشيخ الميرغني ومعه شيخ آخر يقال: إنه من مكة المكرمة ذهبا في ذلك اليوم إلى المعسكر الإنجليزي ليحضر خضوع كثير من مشايخ القبائل الذين جنحوا إلى السلم مع الإنجليز، وفي حين آخر أن هذا الميرغني صاحب فرقة إنجليزية تسير إلى بيرهندوك ليكون على يديه طاعة بعض القبائل في تلك النواحي، ويقال: إن إحداها لم تزل مترددة في قبول الطاعة وعدمه.
هذا مما يعجب منه؛ أن شيخا يظهر بين المسلمين بمظهر العلم والإرشاد، ثم يقود جيشا إنجليزيا لإذلال أبناء ملته وإخوان دينه وجنسه، وهو يعلم أن شرفه شرفهم، وسيادته بسيادتهم، ولولاهم ما نال الإكرام والإجلال، وما أغدقت عليه النعمة، وتوفرت لديه دواعي الترف والنعيم، وتمتع بكامل لذاته وشهواته! كيف يسوغ له أن يقدم جيوش الإنجليز، قبل الوقوف على مقاصدهم، وماذا يريدون من تذليل جيش العرب وإخضاعهم، هل يصح له أن يأتي مثل هذا وهو يعلم ما يحذره الشرع وما يبيحه اغترارا ببعض الأوهام التي لا أساس لها؟!
وكتب إلينا من مصر والحجاز أن جماعة من العلماء في القطرين حكموا بمروقه وقالوا: إن هذا من أعظم الزلات التي لم يرتكب نظيرها في الإسلام، على أنه ليس من العلماء ولا من العارفين بطرق الإرشاد، وإنما نال الاعتقاد عند بعض السودانيين وراثة عن أبيه، وأنه لم يتميز عن العامة الأميين في شيء، وإن كان هذا لا يدفع العجب من فعله.
1
الفصل السابع عشر
الخرطوم
في الجرائد الفرنسية نقلا عن الإنجليزية أن أشياع محمد أحمد كانوا في مساء الثالث عشر من شهر مارس ثلاثة آلاف على القرب من الخرطوم ، وفي صباح الرابع عشر وصلوا إلى ستة آلاف، وهو يدل عن أن الجنرال جوردون عنده شيء من قوة الدفاع حيث لم تقدم تلك القوة على مهاجمة المدينة، لكن ماذا يجبي من طوعه أن يفعل مع هذه الآلاف المؤلفة التي تتضاعف يوما بعد يوم وهم يحدقون بمحل إقامته من جميع الجوانب؟
ومما يدل على أنه في أصعب المضايق، بل على شفير الخطر، اتفاق الجرائد الإنجليزية على دعوة حكومتها لإنقاذه بغاية السرعة، وفي أخبار الخامس عشر من الشهر أن فرقا من الثائرين متحصنون على شواطئ النيل بمقربة من حلفا، على مسافة بضعة أميال من شمال الخرطوم، وأنهم أطلقوا النيران على مركب كانت تسير في النيل حاملة ثلاثمائة رجل استقدمهم الجنرال جوردون وقتلوا منهم نحو مائة، إلا أنه تيسر للجنرال استخلاص باقيهم، واستبشرت التايمس بهذا الظفر الذي تسنى للجنرال بتخليص بقية القادمين إليه وإن أظهرت غاية الكدر من كونه في خطر عظيم وثائرة السودان تحيط بجميع أطرافه، وتستحث حكومتها على إنقاذه ما استطاعت (والله يعلم كم بين ذاك الاستبشار وهذا الإنذار وهما في فصل واحد). •••
وفي برقية إلى الديلي نيوز أن طرق الخرطوم منقطعة، وأن القبائل المذعنة لمحمد أحمد محدقة بجميع جهاتها، وأن ثلاثا من تلك القبائل وافرة العدد، وعلى مقدمتها جم غفير من المشايخ والدراويش؛ يزحفون قصد الاستيلاء عليها، ويظن عموم الناس أن لا سبيل لمدافعتهم عنها أو تخليصها منهم إلا بإنجاد عساكر إنجليزية، وقال مراسل التايمس في 21 من الشهر: إن من الواجب على الحكومة الإنجليزية إغاثة الجنرال جوردون، فإنها قد ألقته في فم الأسد، وسيكون فريسة المنية إن لم ترسل العساكر إليه بغاية السرعة.
صفحه نامشخص