قلت: لا ريب في ذلك، وليس الكلام في المساواة في[24] الرتب والدرج، إنما الكلام في جواز النسخ ، وقد ثبت أن القرآن إنما جاز أن يجعل دليلا؛ لأنه صحيح في نفسه والنظر فيه موجب العلم بالمدلول لا أنه قرآن بدليل أنه يصح الإستدلال بغيره إجماعا، فلو كان الموجب لكونه دليلا هو أنه قرآن لما صح أن يستدل بغيره، وهذا لا يقول به أحد، وإذا ثبت ذلك جائز أن ينسخ بالسنة إذا تنزلت السنة في باب الدلالة منزلة، ثم إنا نقول أنه لم يحصل لنا وجوب الأخذ بالسنة إلا بالقرآن الكريم {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} على أنا نقول: أن هذا يلزم في البيان فيجب أن القرآن الكريم لا يبين بالسنة إنما يبين بين بقرآن فما أجابوا به فهو جوابنا.
وقد روينا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في خطبته الذي يذكر فيها خلق السماء والأرض وخلق آدم صلى الله عليه وهي طويلة إلى أن ذكر الإبتلاء بموت النبي صلى الله عليه وآله وأنه ترك في أمته المبين الحلال والحرام في كلام سرده عليه السلام، قال في آخره: مفسرا جمله مبينا غوامضه بين مأخوذ مساق عليه، وموسع على العباد في جهله، وبين مثبت في الكتاب فرضه، معلوم في السنة نسخه، وواجب في السنة أخذه، مرخص في الكتاب تركه.. إلى آخر ما ذكره، فانظر كيف سوى بين جواز نسخ الكتاب بالسنة وبين نسخ السنة بالكتاب فالأمر ظاهر.
واستدل المخالفون بوجوه:
أولها: أن هذا يؤدي إلى ..... عن النبي صلى الله عليه وآله لأنه توهم أنه قد شرع من نفسه شيئا.
قلت: أن دلالة العصمة والنبوة قد رفعت هذا الخيال ثم نعارضهم في البيان فنقول: أنتم مجمعون معنا على جواز وقوع البيان منه صلى الله عليه وآله لمحملات بالقرآن هذا مثل ذلك.
صفحه ۵۲