عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق
ژانرها
إن الضلالة والرشاد
بيد الذي أنشا العباد
وإليه يرجع في المعاد
سبحانه مغو وهاد
إن شاء يعف وإن أراد
أخذ المسيء بذنبه
مقامة وهبية، تروي بحلاوة روايتها الغليل، وتأتيك بالخبر المسلسل عن وادي النيل، منشأة بقلم مؤلف هذا الكتاب، لا زالت فرائد فوائده تملأ الحقيبة والوطاب. •••
حدث نسيم الصبا، قال كلفت منذ الصبا، بانتهاج أقوم المسالك، في معرفة أحوال الممالك، فكنت لطمعي في اختلاس هذه الأمنية بيد الاقتباس، وفرط شغفي باستطلاع أخبار الناس، كلما سنحت لي فرصة أنتهزها لوقتها، أو تهيأت لي رغيبة أعززها بأختها، حرصا على ثمرة أقتطفها أو طرفة أستطرفها أو نادرة أوردها، أو شاردة أقيدها، فبينما أنا في بعض الأيام، مع رفقة من العلماء الأعلام، نتجاذب أطراف الحديث في الأحوال الحاضرة، ونقتطف ثمارها من أفنان روضتها الناضرة، أذ وفد علينا شيخ ظريف الشمائل، تسترق من لطف خلائقه نسمات الشمائل، يترجم لسان حاله عن براعة وفصاحة، ووقوف على الحقائق باقتحام عناء السياحة، وقد أخذ بيد فتى بلغ قاصية الجمال، وملك من الحسن ناصية الكمال، فحيانا تحية نسجت حلتها على منوال الأدب، وصيغت حليتها في قالب من شذور الذهب، ثم قال: قد بلغني أنكم آخذون للعلم بناصر، محتفلون بإحياء فنونه التي تعقد عليها الخناصر. فأفعم فؤادي بهذا الخبر سرورا، لعلمي بأن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وقد آليت أن يخفق لوائي على ناديكم، وأن أسعى اليوم للقيام بشكر أياديكم، فتهنأ وأيما آتاكم الله من فضله، وتهيأوا لأداء واجب فرض العلم ونفله. قال الراوي: فلما خلينا بعذوبة بيانه، وأهدى إلينا طرفا من حلاوة لسانه، قلنا له: لله درك كيف وصلت إلينا، واستدللت من تلقاء نفسك علينا. فقال: أما أنا فقد ولعت بالأسفار، وشغفت باستنشاق أخبار الأخيار، فحيثما وجد فريق منهم جذبني إليه مغنطيس حلاه، وأرشدني أرج شذاه إلى حماه. فكدنا نطير بقدومه طربا، وقضينا مما حكاه لنا عجبا، وعلمنا أن هناك من عجائب المقدور درا مكنونا، وسرا لا يزال ضميره في حيز الاستتار مصونا، ورجونا أن يتحفنا بذكر ما رآه في أسفاره، ويطرفنا بغريبة من غرائب أخباره ، فقال: لقد بلوت من ظروف الزمان صروفا، وشهدت من صنوف الوقائع مئات وألوفا، فإن شئتم استماع نبأ ما عاينته في أسفاري، ولم يجر لأحد بمثله قط قلم الباري، فدونكم ما أقصه عليكم مما تتعلق به الأطماع. ثم صعد منبر الخطابة وقال: سماع سماع.
اعلموا يا أولي الألباب، وكواكب سماء الفضل والآداب، إنني رجل من أولي العزائم، لا أقدم إلا على الأمور العظائم، ولا تأخذني في الله لومة لائم، ولي صاحب كريم الأخلاق، متحل بحلية الفضل بين الرفاق، إذا وفد على مملكة فأكرمت وفادته كما ينبغي، واستضاءت بنبراس آرائه الأصيلة فيما تروم وتبتغي، علا شأنها على ممالك الدنيا، وصارت كلمة أهلها بهذه المثابة هي العليا، بخلاف ما إذا تخلت عن القيوم بشئونه، أو تولت عن المسابقة في مضمار فنونه، فإنه ينتقل إلى غيرها من الممالك، داعيا عليها بالوقوع في مهاوي المهالك، وليس بين دعوته وبين الله حجاب، فلا جرم كانت تعم تلك المملكة أسباب الخراب، وقد عودني - أطال الله بقاءه وجعلني فداءه - أنه كلما انتقل من مملكة إلى أخرى، ورآها أحق به من غيرها وأحرى، لا يستطيع بدوني على الإقامة صبرا، فيوعز إلي بالقدوم، فلا أعصي له أمرا، أما مسقط رأسنا فهو القطر المبارك الذي لا يجارى في مجال فخار، ولا يشارك لبثنا في أهله ليالي وأياما، كانت في جبين الدهر غرة وفي فم الدنيا ابتساما، وكان هذا الصاحب صدر الصدور، الآخذ فيها دون سواه بمقاليد الأمور، آتاه الله الحكم صبيا، ولم يجعل له من قبل سميا، وكنت أنا زعيم جنوده، وعاقد ألويته وبنوده، فكنا نجتني ثمار النصر من ورق الحديد الأخضر، ونبتني منار الفخر على دعائم العز والمظهر.
الدهر طوع يميننا
صفحه نامشخص