20
بسم الله الرحمن الرحيم
بفضل إله مالك الملك غافر مقسم أرزاق العباد وقاهر
تقسمت الاوطان بين المعاشر فكان نصيبي كابرا بعد كابر
مدينة خبر الرسل مهبط وحيه سقاها إلهي ماطرا بعد ماطر
ومد عليه وبله وسيوله فيغدو دق الوادي بأحد وحاجر
وتزهو قلاع بالعقيقي وزهوها وسلع إلى السقيا إلى سفح غائر
ووادي قناة يا له كم به ثرى شهيد كعبد الله والد جابر
وبئر أريس مع قباء ورامة بها طبت في وقت من الهم شاغر
وفي خيف بطحان السعيد مساجد ترى بين نخل كالنجوم الزواهر
دعي المصطفى فيها فقرت عدائه وكانت قلوب القوم عند الحناجر
كريم مقامات تجلت بقاعها بها من آت من مقيم وزائر
كلفت بها حتى ألفت جمالها وحتى بدامني خفي الضمائر
وكنت إلى الراحات ترتاح مهجتي تهدى بربات الخدود السواحر
وألهو إذا وقتي خلا من منغص باخوان صدق نزهة للمحاضر
فبعد الصبا عفت ومزاحه وقلت أي نفسي كفى أن تكابري
فنكب إذا عن عزة وسعادة وحاشاك أن تهوى كحيل المحاجر
ودع عنك لبنى واستماع غنائها وأقبل على الاخرى بقلب وباد
ر فلو نظرت سعدى إلي تعجبت وقالت بمن يعتاض عني مسامري
صفحه ۲۰
ألم تعلمي إني تعوضت طيبة فلا تطعمي في العود يا أم عامر 21
تبدلت من كل البلاد بأسرها بلاد رسول اله أبرك طاهر
فما مثلها عندي شيبه لذاتها سوى مكة سادت بتلك المشاعر
فضائل صحت في الصحاح لطيبة فخذها بقلب واستمعا لآخر
شهيد لنا أو شافع سيد الورى لصبر على لأوائها المتكاثر
كذاك لمن وفي بها مثل ذاله ليهن بوعد من صدوق لشاكر
وكم صح في أخبارها من فضائل فمن تربها للداء رفع الدرائر
حباها بمثلي ما دعاه لمكة فجاور وطيب نفسا بهذي المفاخر
وذلك ضعف الضعف صدق محقق فكن قانعا فيها بقوت وصابر
وكم من كرامات تجلت لأهلها بلفظ روينا مسند متواتر
فكم سعدكم يا نازلين جواره بتحويل حماها ونفي المضارر
وطابت في الدجال يهدي خلالها ولا مجرم إلا ابتلى بالدوائر
ومن اهلها بالسوء قصدا أرادهم أذيب كملح ذاب ويل لماكر
ولما أن اختار المهيمين حفظها حماها بأملاك سداد البوادر
فمن عزها أملاكه في نقابها تردد دجالا محلى بكافر
وطاعن طاعون كذلك ترده وإن عم تطوافا فليس بعابر
وآمن من خسف ومن أن يصيبها عذاب وهو فينا بقدرة قادر
ومنها لمجذوم دواء سباخها فخذها كرامات أتت ببشائر
وكان إذا ليل سجى قام داعيا لاهل بقيع الغرقد المتفاخر
فيهدي اليهم من حفيل دعائه ويسأل مولاه باحضار خاطر
ووصى جميع الناس وطرا بجاره فقال احفظوني أمتي في مجاوري
وقد قال ما من ذاك والله ابتغى مكانا لدفني من جميع المقابر
صفحه ۲۱
سوى هذه (يعني بها ترب طيبة) فأكرم بترب للرسول مباشر 22
دعا ودعا حتى دعا في ثمارها فصار بها يزكو كحائط جابر
كذلك في صاع ومد دعا لنا فيشبعنا ربع وشطر لصابر
بها مسجد للمصطفى أي مسجد به حجرة فيها الدليل لحائر
صلاة بألف يا سعادتنا به فوائد طابت متجرا لمتاجر
به روضة مع منبر وسط جنة علت يا لها من روضة لمفاخر
ومنبره والحوض تحت رتاجه وهل مثله من منبر في المنابر
ذكرت قليلا من فضائل طيبة ومن رام حصرا ما يكون بقادر
ألا لا تلومني فإني أحبها فكم خولتني ما تمنت خواطري
فمن طيبها طيبي وأحمد طيبها سوى البيت ما يبقى لها من مناظر
أيا عاذلي فيها تأمل جمالها وأنوار خير الخلق باد وحاضر
سألزمها دهري وأحكى علومها وأرفع عنها طاقتي كل جائر
وألزم ذاتي صحنها ورحابها وحجرتها والسر خلف الستائر
حلفت يمينا ليس في الكون مثلها لأن بها قبر الشفيع المؤازر
فيا رب عد يا ذا الجلال بمنة فقد رجفت منتي لخوفي بوادري
وصل على المختار من آل هاشم وآل وصحب في مساء وباك
ر أخص أبا بكر حبيب محمد وصاحبه الفاروق ماضي الأوامر
وليس كعثمان الشهيد بداره ومن كعلي في قتال العساكر
زبير وسعد وابن عوف وطلحة وبعد سعيد والختام بعامر
فعفوا وصفحا يا كريم بحبهم فاني عريق في ذنوب غواير
وفي دار خير الرسل عندم مولدي وفيها مقامي لم أحل دهر داهر
ولي قد مضى سبعون عاما مصانة تنيف بسبع طاب زرعا لباذر
تخللها خمسون حجا وعمرة تنيف بسبع حبذا من ذخائر
صفحه ۲۲
ولي نسب أرجو إليه يجرني شريف كريم فاخر بعد فاخر 23
ويا رب فاغفر للجميع بحبه وبالفضل عاملنا ولطف مثابر
على سنة المختار ثبت قلوبنا ولا تخزنا في يوم كشف السرائر
وهذى بتشويق النفوس وسمتها فسارع إلى نص العروس وبادر
* * *
ثم إني استخرت الله تعالى قاصدا إلى المقصد والمرام ومنه للتوفيق بالإتمام وسميته
عمدة الأخبار في مدينة المختار
فاللهم صل على ساكنها سيد الابرار وآله الاطهار وصحبه الاخيار وسلم تسليما كثيرا ورتبته على خمسة أبواب.
(الباب الاول) في فضل الزيارة الشريفة وآدابها وتأكيد استحبابها وذكر شيء من لطائفها وأسرارها والحض على صبر ساكنها على لأوائها أيام جوارها.
(الباب الثاني) في تاريخ البلد المقدس وذكر من سكنه أولا من التبابعة والعماليق وهلم جرا إلى أن فتحه الله بالقرآن لنبيه الكريم.
(الباب الثالث) في ذكر أسماء المدينة المقدسة ومعانيها وبيان اشتقاقها ومبانيها.
(الباب الرابع) في الفضائل المأثورة وذكر ما روينا من الأحاديث والآثار لكل واحد من الأماكن المذكورة.
صفحه ۲۳
(الباب الخامس) في ذكر أماكن المدينة، ومساكنها، وقراها. ومعاهدها 24
ومساجدها ومشاهدها. ودورها. وقصورها. ومناظرها. ومقابرها. ومخزارعها ومواضعها، وجبالها. وتلالها. سباخها.
ورمالها. وأعمالها. وأعراضها. وآطامها. وآكامها. ومعالمها. وأعلامها. وأوديتها. وعيونها. وآبارها. وأنهارها. ومسافتها. ومراحلها. ومناهلها. وتلاعها. وقلاعها.
صفحه ۲۴
25
الباب الأول في فضل الزيارة الشريفة وآدابها
وتأكيد استحبابها وذكر شيء من لطائفها وأسرارها
والحض على الصبر على لأوائها أيام جوارها
اعلم أن زيارة سيد الاولين والآخرين صلى الله عيله وسلم، والسلام عليه عند قبره من القربات التي لا يرتاب فيها من منحه الله فطرة سليمة وقريحة مستقيمة من السملمين وقد مدحه الله في كتابه القديم (1) فقال: (يا أيها الذين (2) آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول) الآية وقال تعاليى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) الآية وقال تعالى: (واذا أخذنا من النبيين ميثاقهم). الآية .
قال علي رضي الله عنه: _لم يبعث له نبيا - آذم فمن دونه - الا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عيله وسلم لئن بعثته لتؤمن به ولتصرنه) وقد صرحت الآيات بإكرام الانبياء قاطبة والتعظيم له جملة وتفصيلا.
صفحه ۲۵
وفي حديث رجال الشيخين عن ابن عباس رضي الله عنهما (أوحى الله 26
الى عيسى آمن محمد ومر من أدركه من أمتلك أن يؤمنوا به) وفي الصحيح: (لو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعي) وفي حديث (1) ابن عباس يرفعه (أنا أكرم الأولين ولا فخر) وفي حديث (2) قوله صلى الله عليه وسلم:
صفحه ۲۶
27
((من لكعب بن الاشرف فإنه قد آذي الله ورسوله)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من سب نبيا فاقتلوه ومن سب أصحابي فاضربوه)) وأما الإجماع فأمر جلي واضح في تعظيمه صلى الله عليه وسلم وأن كل من نقصه أو عابه أو ألحق به في نفسه نقصا على طريق السب له والازدراء عليه والتصغير لشانه يقتل.
قال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر واجب القتل وممن قال بذلك وأحمد واسحاق وهو مذهب الشافعي وهو مقتضى قول أبي بكر الصيدق ولا تقبل توبته عندهم وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والاوزاعي ولكنهم قالوا هو ردة وعلى هذا وقع الاختلاف في استتابته وتكفيره وهل قتله حدا أو كفرا ولا نعلم خلافا في استباحة دمعه بين علماء الامصار وسلف الامة وذكر غير واحد اجماع الامة على قتله وتكفيره.
صفحه ۲۷
قال محمد بن سحنون أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم 28
المنتقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له وحكمه عند الأئمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر واحتج (1) إبراهيم بن حسين بن خالد في مثل هذا بقتل خالد بن الوليد بن نويرة بقوله عن النبي صلى الله عيله وسلم: صاحبكم قال الخطابي لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله، وعن مالك قتل ولم يستتب، وعن عثمان بن لبابة: قتل أو صلب حيا ولم يستتب، قال بعض علماء المالكية: أجمع العلماء على أن من دعا على نبي من الأنبياء بالويل أو بشيء من المكروه أنه يقتل بلا استتابة.
وأما الأدلة من السنة على مشروعية زيارة قبره الشريف فكثيرة جدا وتشير إلى زبدتها.
(الاول): ما رويناه عن الإمام مسلم بن الحجاج وأبي عيسى الترمذي مصححا محسنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) ولفظه من الترمذي: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكرة.
ثم قال والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بزيارة القبور باسا وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق وإذا تقرر ذلك في كل قبر ففي حق سيد المرسلين وخير الخلق أجمعين وخاتم النبيين أجدر وأولى وأحق وأحرى.
صفحه ۲۸
(الثاني): من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (1) زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه وأبكى من حوله فقال استأذنت ربي أن 29
أستغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته في ان أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة.
وأيضا يستحب الدفن بجوار الصالحين لما روى البخاري عن عمر ابن ميمون قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لابنه عبدالله اذهب إلى أم المؤمنين عائشة وقل يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام ثم أسألها أن ادفن مع صاحبي.
ويدل أيضا على استحباب زيارة القبور ليلا ما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها يخرج من آخر الليل إلى البقيع.
***
صفحه ۲۹
30
فصل في المجاورة بالمدينة المشرفة
قال صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني شفيع لمن يموت بها)) رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما على الأرض بقعة أحب إلى من أن يكون قبري بها)) قاله ثلاث مرات رواه مالك وعن البخاري ومسلم ومالك والترمذي والنسائي قوله صلى الله عيله وسلم: ((والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)) الحديث.
وروينا بسند صحيح أن الرشيد لما حج سأل مالكا فقال: هل لك دار فقال: لا فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وقال: اشتر بها دارا فأخذها ولم ينفقها فلما أراد الرشيد الشخوص قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن. فقال: أما حمل الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل لان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم افترقوا بعده في الامصار فحدثوا فعند أهل كل مصر علم وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((اختلاف العلماء رحمة)) وأما الخروج معك فلا سبيل اليه. وقال صلى الله عليه وسلم: ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((المدينة تنفي خبثها)) وهذه دنانيركم كما هي إن شئتم فخذوها وإن شئتم فدعوها. يعني أنك تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعته إلي فلا أوثر على المدينة.
صفحه ۳۰
ودلالة هذه الأحاديث والآثار على الحث والحض والتحريض على الاقامة 31
بالمدينة وطلب الفوز باستطيانها وقصد السعادة بمجاورة مساحتها ظاهرة واضحة لائحة فإنها منبع فيض بحار أنوار الملة الإسلامية، ومشرق طلوع أقمار السعادة الحقيقية، والدار التي اختصها الله لهجرة حبيبه صلى الله عليه وسلم وظهور دينه ومحل إعلامه بالحق، وإذعان الخلق وأحب البقاع إلى الله سبحانه.
وموطن أحب الخلق إلى الله، ومهبط الملائكة المقربين، ومنزل الروح الأمين ومثوى الأكرمين من السادة القادة الأنصار المهاجرين سادات المسلمين، وعظماء الذين ثم اختارها الله محلا للجيد الزكي الطاهر وجعلها مضجع الطود الأشم والقمر الزاهر مفزعا للمحبين المشتاقين، وملجأ العشاق الوالهين، ومبدأ خلافة الأربعة المنصوصين المخصوصين من الله بالرضا أئمة العدل المشهورين السابقين في كل خير من بقى ومن مضى.
واعلم أنه لا يختار مجاورة المدينة الشريفة ولا يؤثر استطيانها غالبا إلا من يدعي محبة هذا النبي الكريم؛ فليكن لدعواك شواهد وعلامات وقرائن وأمارات وذلك بأمور منها: الإغضاء عند القرب منه صلى الله عليه وسلم فإن من علامات المحب إغضاؤه عند نظر محبوبه إليه ورميه بطرفه نحو الأرض وذلك من مهابته له وحيائه منه وعظمته في صدره قال تعالى مخبرا عن أدب رسوله صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء (ما زاغ البصر (1) وما طغى) وهو غاية الأدب فإن البصر لم يزغ يمينا ولا شمالا ولا كلمح فتجاوز إلى ما هو رائيه ومقبلا عليه كالمشتاق إلى ما وراء ذلك ولهذا اشتد الوعيد للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء، وهدد بخطف البصر.
صفحه ۳۱
ومنها الاستكثار من الصلاة والتسليم عليه فإن من علامات المحب كثرة 32
ذكر المحبوب واللهج بذكره وحديثه ومن أحب شيئا أكثر من ذكره بقلبه ولسانه وأفضل أنواع الذكر أن يحب المحب لسانه على ذكر حبيبه وكما أن الذكر من نتائج الحب فالحب أيضا من نتائج الذكر فكل منهما يتم بالآخر فافهم ذلك.
ومنها الاجتهاد في أن يكون كثير السماع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيره وسنته وآدابه عاملا عليه كثير الإقبال عليه وحسن التلقي لما يفهم من معانيه فإن علامات المحب إقباله على حديث حبيبه وغلقاء سمعه كله حتى يفرغ للحديث سمعه وقلبه ولا سيما إذا حدث عنه بكلامه فإنه يقوم مقام خطابه.
***
صفحه ۳۲
33
فصل في آداب الزائر
منها شدة المبالغة اتباع السنة وا لاقتداء به فيما صح عنه عليه السلام فإن في ذلك دليلا على طاعته وطاعة المحبوب عنوان محبته والانقياد لأمر المحبوب وإيثارة على مراد الحب من اعظم دلائل المحبة قال الله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فجعل سبحانه متابعة رسوله سببا لمحبتهم له ولكن الشأن أن يحبك الله.
ومنها أن لا يخل بشيء ما أمكن من ألأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والغضب عند انتهاك شيء مما حرم الله، أو تضييع شيء من حقوقه صلى الله عليه وسلم.
ومنها محبة الدنيا، ومنازلها، وجبالها التي أثبتت النبي صلى الله عليه وسلم المحبة لها فإن من علامات المحبة: محبة ذات المحبوب وبيته والموضع الذي هو فيه.
صفحه ۳۳
ومنها محبة صالحي أهلها فإن من علامات المحبة محبة أحباب المحبوب وأصحابه وإخوانه وخدمه وجيرانه وإذا دخل المدينة فالأدب أن يبدأ بالمسجد للصلاة والزيارة قبل التعريج على أمر من الأمور. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه 34
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- (من يقل بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله رب أدخلن يمدخل صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا حسبي الله آمنت بالله وتوكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله في سيره إلى المسجد وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ويقبل الله عليه بوجهه الكريم) الحديث.
صفحه ۳۴
ثم يلزم الأدب والقاور والحياء والهيبة والخشوع في ممشاه إلى أن ينتهي إلى المسجد المقدس مهبط الوحي والتزيل فيزداد خشوعه وحياؤه وخضوعه بحسب المقام فإذا أراد الدخول في المسجد فليقدم رجله اليمنى لدخوله ويقول: بسم الله والحمد للله ولا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله لا قوة إلا بالله اللهم صل هلى محمد عبدك ورسولك وسلك تسليما كثيرا* اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، ثم ليقف في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي تحية المسجد ركعتين خفيفتين خاضعا فإذا فرغ من صلاته توجه إلى الله تعالى بقلب عقول، ولسان سؤول، ويسأل من مهمات الآخرة والأولى، ثم يتوجه إلى القبر الشريف مستعينا بالله في رعاية الأدب في هذا المقام العظيم ويتقدم بأدب ووقار حتى يقف تجاه وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم0 ويروى عن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أنه كان إذا جاء يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وقف تجاه السارية التي فيها الصندوق اليوم وفوق هذا الصندوق قائم من خشب مجدد، وهي لاصقة بحائط الحجرة الغربي، ويستدبر الروضة واسطوانة التوبة ويقول: ها هنا رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يسلم بخفض صوت قائلا: (السلام عليك يا رسول الله السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته) ثم يتقدم نحو ذراع إلى جهة اليمين حيث يصير تجاه قبر أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيقول: (السلام عليك يا خليفة رسول اله، والسلام عليك يا صديق رسول الله السلام عليكم يا صاحب رسول الله السلام عليك ثاني اثنين إذ هما في الغار) ثم يتقدم نحو ذراع للتسليم 35
على عمر الفاروق رضي الله عنه ويقول: (السلام علي يا أمير المؤمنين السلام عليم يا من أيد الله به الدين السلام عليكما ورحمة الله وبركاته جزاكما الله عن نبيكما وعن الاسلام وأهله خير الجزاء) ثم ينصرف وقد انتهت الزيارة.
* * *
صفحه ۳۵
36
الباب الرابع في تاريخ اللبد المقدس، وذكر من سكنه أولا بعد
الطوفان من التابعة والعمالقة، وسكن اليهودية به.
ثم الأنصار. وبيان نسبهم وظهورهم على اليهود وهلم جرا إلى أن فتحه الله بالقرآن العظيم لنبيه الكريم.
فصل في ذكر نبذة من تاريخ المدينة المقدسة.
والمسجد الشريف، والروضة المطهرة وهذا الفصل من كتاب الزبير بن بكار وابن النجار ومعجم ياقوت ومجد الدين اللغوي وغير ذلك من المؤرخين.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما خرج الناس من السفينة نزلوا طرف بابل وكانوا ثمانين نفسا فسمي الموضع سوق الثمانين، فمكثوا حتى كثروا، وصار ملكهم تمروذ بن كنعان بن حام افترقت السنتهم على اثنين وسبعين لسانا ففهم الله العربية منهم عمليق وطسم بن لوذ بن سام وعادا وعبيلا بن عوص بت غرم بن سام.
فنزلت عبيل بيثرب ويثرب بن عبيل؛ ثم خرجوا منها فنزلوا الجحفة فجاءهم سيل فاجتحفهم فيه فسيمت جحفة، وقيل أول من سكنها يثرب بن قانية ين مهلاييل بن إرم بن عبيل بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام.
صفحه ۳۶
قالوا كان سكان الكدينة في سالف الأزمان قومي قال لهم صعل وفالح، فغزاهم النبي داود عليه السلام، فأخذ منهم مائة ألف عذراء قال. وسلط الله عليهم الدود 37
في أعناقهم فهلكوا وقبورهم هذه التي في السهل والجبل وهي التي بجانب الجرف، وبقيت منهم امرأة وكانت تعرف (بزهرة). وكانت تسكن بها.
فاكترت من رجل وأرادت الخروج إلى بعض تلك البلاد فلما دنت اتركب غشيها الدود.
فقيل لها : إنا لنرى دودا يغشاك فقالت: بهذا هلك قومي ثم قالت: رب جسد مصون ومال مدفون بين زهرة ورانون قال: وقتلها الدود قالوا: وكان قوم من الأمم يقال لهم (بنو هف) و(بنو الأزرق) فيما بين مخمض إلى غراب الصائلة إلى القصاصين إلى طرف أحد فتلك آثارهم هناك، وكانت للعمالقة منتشرين في البلاد وكانت جرهم، وقنطورا وطسم، وجديس، باليمامة وبالشام.
وعن زيد بن أسلم أن ضبعا وأولادها رابضة في حجاج عين رجل العماليق وكان يمضي أربعمائة سنة ولم يسمع بجازة وكانت العماليق قد انتشرت في البلاد فيسكنوا مكة والمدينة والحجاز كله، وعتوا عتوا كبيرا، فبعث إليهم موسى عليه السلام جندا من بني إسرائيل فقتلوهم بالحجاز وأفنوهم.
وحكى ياقوت عن بعض علماء الحجاز من اليهود أن سبب نزولهم المدينة أن ملك الروم حين ظهر على بني إسرائيل وملك الشام خطب إلى بني هارون وفي دينهم أن لا بزوجوا النصارى فخافوه وسألوه أن يشرفهم بإتيانه إليهم فأتى اليهم ففتكوا به، وبمن معه.
ثم هربوا حتى لحقوا بالحجاز فأقاموا.
وقال آخرون: بل علماؤهم كانوا يجحدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة أنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرتين فأقبلوا من الشام يطلبونه الصفة حرصا منهم على اتباعه فلما رأوا فيها النخل عرفوا صفتها وقالوا: هذا البلد الذي نريده فنزلوه.
وكانوا أهله حتى ألهم تبع، فأنزل معهم بني عمرو بن عوف والله أعلم أي ذلك كان.
صفحه ۳۷
قالوا وخرجت قريظة واخوانهم فنزلوا بالعالية على واديين يقال لهما (مذينب) و(مهروز) فنزلت بنو النضر على مذينيب واتخذوا عليه 38
الأموال. وكان أول من احتفر بها الآبار وغرس الأموال. وقال نزلت عليهم بعض قبائل العرب واتخذوا الأموال وابتنوا الآطام والمنازل. قال الزبير حدثنا محمد بن الحسين عن عبد العزيز محمد الداراوردي عن طلحة بن حراس عن عبد الملك بن جابر بن عتيك عن جابر بن عبد الله يرفعه. أقبل موسى وهرون عليهما السلام حاجين فمرا بالمدينة. فخافا من يهود فخرجا مستخفيت فنزلا أحدا. فغشا هارون الموت. فقام موسي فحفر له ولحده، ثم قال يا أخي إنك تموت فقام هرون فدخل لحده فقبض، فحثى عليه التراب قالوا: وكان في المدينة قرى وأسواق من يهود بني إسرائيل.
وكان قد نزلها أحياء من العرب قبل نزول الأوس والخزرج عليهم بنو أنيف وهم حي من بني بلي ويقال: إنهم بقية العماليق وبنو معاوية بن الحارث وبنو الجذماء حي من البمن.
وكان ممن بقي من اليهود حتى نزلت علهم الأوس، والخزرج، بنو قريظة، وبنو محمم، وبنو زعورا، وبنو ماسكو وبنو لقعمة، وبنو زيد اللات وهم رهط عبد الله بن سلام، وبنو قينقاع، وبنو حجر، وبنو ثعلبة، وأهل زهرة، وأهل زيالة وأهل يثرب، بنو القصيص، وبنو ناعصة، وبنو عكرة، وبنو مرابة.
صفحه ۳۸
فكانت هذه القبائل كلها من بني إسرائيل والأحياء الذين ذكروا معهم من العرب قد اتخذوا بالمدينة الآطام عز أهل المدينة، ومنعتهم التي كانوا يتحصنون فيها من عدوهم، وكان منها ما يعرف اسمه ومنها ما لا يعرف اسمه إلا باسم سيده، ومنها ما يدري لمن كان، ومنها ما يذكر في الشعر، ومنها ما لا يذكر، قالوا: إن قبائل يهود تنيف على العشرين وعدة آطام من نزل معهم من العرب تزيد على اسلبعين، وروى الزبير بسنده عن ربيعة بن عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الأنصار أن يهدموا آطامهم وقال إنها زينة المدينة وكان بنو أنيف بقبا وكان لهم الأطم الذي يقال له الأجش عند البئر التي يقال لها لاوه وكان للحيان بن عامر الأطمان اللذان يقال لهما النواحان كان عند مجلس بني أنيف وكان لهم الأطم الذيي قال له (الهجيم) عند قرن إسلام، وكان 39
لنبي عبيد أطم في دار بن سعد موضعه إلى جنب بئر عذق في دار حميد بن دينار، وكان لوبرة بن ثعلبة وكان لهم أطم موضعه بين بئر عذق وبين المقرعة، وكان لصليل بن وبرة الأنيفي أطم موضعه إلى جنب أطم مليل بن وبرة، الأنيفي أطم مليل بن وبرة، وكان لصيفي الأنيفي أطمان موضعهما بين المال الذي يقال له القائم لا يدري لأي بني قريظة إلى النخل التي يخرج منها السيل، وكان للزبير بن طابا القرظي أطم في غربي المال الذي يقال له شطأ في بني قريظة ولهم أيضا أطم يقال له الملحة وكان مع بني قريظة في دارهم اخوتهم هدل.
صفحه ۳۹