============================================================
بطنها مع تمام إحصانها بقدرة القديم القادر، وتمم مولاه خلقه خرقا للعادة، فكان عبرة للناظرين. وقد تقرر في العقول أن الله قادر على أن يخلق الشخص من غير أب ولا أم، كما كون آدم عليه السلام، من تراب، وخلق حواء من أب من غير أم، فكذلك خلق سيدنا عيسى من أم بلا أب. فسبحان من لا يعجزه شىء في ممكن مخلوقاته، القادر على ما شاء ال في مصنوعاته، وسماه الله روح الله، أي: أن روحه مضافة إلى الله تعالى، إضافة تشريف ال وتعظيم، ومخلوق إلى خالق كريم، كماقيل: كعبة الله، وأشباه ذلك كما هو معلوم عند اولي البصيرة والتعليم.
فامدح يا أخي المسلم المحب الصادق لرسول الله، وكن متفانيا في محبة هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم وقل فيه ما شئت فلا غلو في هذا ما دمت أعطيت للربوبية حقها. وهنا أمران لا بدمنهما: احدهما: وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورفع رتبته عن سائر الخلق.
والثاني: افراد الربوبية واعتقاد أن الرب تبارك وتعالى منفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن يع خلقه.
فمن اعتقد في مخلوق مشاركة الباري سبحانه وتعالى في شيء من ذلك فقد أشرك، ومن قصر بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء من مرتبته فقد عصى أو كفر، ومن بالغ في تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم بأنواع التعظيم ولم يبلغ به ما يختص بالباري سبحانه وتعالى فقد أصاب الحق، وحافظ على جناب الربوبية والرسالة جميعا، وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
ولقد تصدى شيخ الإسلام ومفتي الأنام المجمع على إمامته وجلالته واجتهاده وصلاحه، التقي السبكي - قدس الله روحه ونور ضريحه - للرد على من خالف هذا من المحرومين، في تصنيف مستقل افاد فيه وأجاد وأصاب، وأوضح بباهر حججه طريق الصواب، فشكر الله تعالى له مسعاه، وأدام عليه شأبيب رضاه، آمين. وسمى كتابه: شفاء السقام في زيارة خير الأنام، وعنه نقل العلامة المحدث ابن حجر الهيتمي في كتابه الجوهر المنظم : بتحقيق كاتب هذه السطور عفا الله عنه.
182
صفحه ۱۵۴