ورحل "يحيى بن يحيى" إلى الإمام مالك وهو صغير، وسمع منه وتفقه، (وكان مالك يعجبه سمته وعقله، روي أنه كان يوما عند مالك في جملة أصحابه؛ إذ قال قائل: "قد حضر الفيل"، فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه غيره، (أي: وبقي يحيى مكانه) فقال له مالك: "لم خرج فترى الفيل، لأنه لا يكون بالأندلس"، فقال له يحيى: "إنما جئت من بلدي لأنظر إليك، وأتعلم من هديك، وعلمك، ولم أجىء لأنظر إلى الفيل"، فأعجب به مالك، وسماه "عاقل أهل الأندلس").
إنه من المباح مشاهدة حيوان غريب .. ولكن وقت الداعية القدوة أضيق من أن يشغل شيئا منه لي مباح، لا يجني من ورائه شيئا لقضيته التي تشغله ليل نهار.
ولما فر "عبد الرحمن الداخل" من العباسيين، وتوجه تلقاء
الأندلس، أهديت إليه جارية جميلة، فنظر إليها، وقال: "إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن، وردها على صاحبها" (¬1).
صفحه ۷۸