Critiquing the Foundations of the Rationalists
نقض أصول العقلانيين
ناشر
دار علوم السنة
ژانرها
فإن العلم نوعان: أحدهما العملي، وهو ما كان شرطًا في حصول المعلوم، كتصور أحدنا لما يريد أن يفعله، فالمعلوم هنا متوقف على العلم به محتاج إليه.
والثاني العلم الخبري النظري، وهو ما كان المعلوم غير مفتقر في وجوده إلى العلم به، كعلمنا بوحدانية الله تعالى وأسمائه وصفاته وصدق رسله وبملائكته وكتبه وغير ذلك، فإن هذه المعلومات ثابتة سواء علمناها أو لم نعلمها، فهي مستغنية عن علمنا بها، والشرع مع العقل هو من هذا الباب، فإن الشرع المنزّل من عند الله ثابت في نفسه، سواء علمناه بعقولنا أو لم نعلمه، فهو مستغن في نفسه عن علمنا وعقلنا، ولكن نحن محتاجون إليه وإلى أن نعلمه بعقولنا، فإن العقل إذا علم ما هو عليه الشرع في نفسه صار عالمًا به، وبما تضمنه من الأمور التي يحتاج إليها في دنياه وآخرته، وانتفع بعلمه به، وأعطاه ذلك صفة لم تكن له قبل ذلك، ولو لم يعلمه لكان جاهلًا ناقصًا.
وأما إن أردوا أن العقل أصل في معرفتنا بالسمع ودليل لنا على صحته –وهذا هو الذي أردته- فيُقال: أتعنون بالعقل هنا الغريزة التي فينا، أم العلوم التي استفدناها بتلك الغريزة؟ .
أما الأول فلم تريدوه، ويمتنع أن تريدوه، لأن تلك الغريزة ليست علمًا يتصور أن يعارض النقل، وهي شرط في كل علم عقلي أو سمعي كالحياة، وما كان شرطًا في الشيء امتنع أن يكون منافيًا له؛ فالحياة والغريزة شرط في كل العلوم سمعيّها وعقليها، فامتنع أن تكون منافية لها، وهي أيضًا شرط في الاعتقاد الحاصل بالاستدلال، وإن لم تكن علمًا، فيمتنع أن تكون منافية له ومعارضة له.
وإن أرادوا بالعقل الذي هو دليل السمع وأصله المعرفة الحاصلة بالعقل؛ فيقال: من المعلوم أنه ليس كل ما يعرف بالعقل يكون أصلًا للسمع ودليلًا على صحته، فإن المعارف العقلية أكثر من أن تحصر، والعلم بصحة السمع غايته أن يتوقف على ما به يُعلم صدق الرسول ﷺ.
4 / 4