Criticism of Companions and Followers in Tafsir
نقد الصحابة والتابعين للتفسير
ژانرها
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كلية أصول الدين
قسم القرآن وعلومه
نَقْدُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ للتَّفْسِيْرِ
دراسة نظرية تطبيقية
رسالة أعدها لنيل درجة الدكتوراه الطالب:
عبد السلام بن صالح بن سليمان الجار الله
إشراف
فضيلة الأستاذ الدكتور/ زاهر بن عواض الألمعي
الأستاذ بقسم القرآن وعلومه
الجزء الأول
العام الجامعي
١٤٢٧/ ١٤٢٨
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن الغاية التي من أجلها أُنزل القرآن الكريم، وأُمر الناس باتباعه والإيمان به، هي الاهتداء بهديه، ولا سبيل إلى تحقيق هذه الغاية إلا بتدبر القرآن، وفهم معانيه، فهما الطريق إلى الاهتداء بالقرآن، ومعرفة حلاله وحرامه، وهما السبيل إلى الاتعاظ بمواعظه وزواجره، وقصصه وأمثاله ...
ولما كان الأمر كذلك اهتم المسلمون - خاصة العلماء - بتفسير القرآن الكريم، واجتهدوا في كشف معانيه، مشافهةً ومدارسةً؛ وكتابةً وتأليفًا.
والناس متفاوتون في فهم القرآن الكريم؛ نظرًا لاختلاف مداركهم وأفهامهم، وتفاوت منازلهم في الإلمام بالعلوم واكتسابها، وتباين أهدافهم وتوجهاتهم، وبسبب ذلك حاد بعض الناس عن فهم القرآن، والتبس عليهم تفسيره، فظهرت بعض المناهج المنحرفة، والأقوال المنكرة، فتصدى لها العلماء والمفسرون وانبروا لنقدها والتحذير منها على حسب درجتها في الخطأ، كل ذلك
1 / 2
دفاعًا عن القرآن، وذودًا عن حياضه، وحماية له من تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين.
وقد تزامن الدفاع عن القرآن وتفسيره مع الدفاع عن السنة النبوية، فكما انبرى المحدثون للدفاع عن السنة، واجتهدوا في حمايتها، انبرى المفسرون للدفاع عن تفسير القرآن الكريم.
إلا أن المحدثين في دفاعهم عن السنة اهتموا بدرجة أكبر بنقد الأحاديث من حيث بيان الصحيح من الضعيف، وتتبع رجال الإسناد والكشف عن أحوالهم تعديلًا وتجريحًا.
ولأن صحة القرآن الكريم والقطع بثبوته قضية محسومة بإجماع الأمة على تواتر ما بين دفتي المصحف، فقد اهتم العلماء والمفسرون بتفسير القرآن وتأويله، فنظروا في المناهج والكتب، والمرويات والأقوال، ونقدوا ما يحتاج إلى نقد؛ انطلاقًا من قواعد مقررة في هذا العلم.
وترجع جذور نقد التفسير إلى زمن النبوة، فقد أنكر النبي ﷺ على بعض الصحابة فهمهم الخاطئ لبعض الآيات، وبعد عصره ﷺ قام الصحابة والتابعون ﵃ بجهد واضح في نقد التفسير بحسب ما جد في عصرهم.
وبعد عصرهم ازداد الخلاف، وكثرت البدع، فزاد تبعًا لذلك الانحراف في فهم القرآن، والخطأ في تفسيره، فاتسعت دائرة النقد وتعددت مجالاته وأساليبه، وكلما كثر الخطأ والانحراف في التفسير اتسع النقد وتشعبت فروعه، وتنوعت طرقه وأساليبه.
1 / 3
ولم تكن الدراسات المعاصرة بمعزل عن تناول هذا المجال، فقد اهتم كثير من الباحثين بنقد التفسير، وأخذ حيزًا كبيرًا من مؤلفاتهم، وأفردوا فيه الكتب: إما نقدًا لمنهج، أو مفسر، أو كتاب، أو مرويات وأقوال، حتى أصبح بعض الباحثين يتتبع جزئية من جزئيات التفسير ويقوم بنقدها.
غير أن هذه الدراسات كلها - قديمها وحديثها - اهتمت بالجانب العملي في النقد على اختلاف أنواعه ومجالاته، بمعنى أن العلماء قاموا بانتقاد ما يعتقدون خطأه في التفسير (١).
ومن هنا برزت فكرة البحث، فالنقد بمجاله العملي بحاجة إلى دراسة تأصيلية تتناوله بوصفه ظاهرة، وتُعنى بالحديث عن نشأته ودواعيه، وبيان مجالاته وأسسه، وأثره على المفسرين، وطريقة تناولهم له، وبخاصة إذا علمنا أن أحدًا لم يقم بدراسته على هذا الوجه، وغاية ما قام به بعضهم هو الجانب العملي فقط.
_________
(١) ومن الكتب المتقدمة التي ألفت بهذه الطريقة: كتاب الانتصاف من الكشاف، لأبي العباس أحمد بن محمد المشهور بابن المنير (ت ٦٨٣)، وكتاب التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزالات في تفسير الكتاب العزيز، لأبي علي عمر بن محمد بن حمد السكوني (ت ٧١٧)، ومن المؤلفات الحديثة: كتاب: الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن، وكتاب: الإسرائيليات في التفسير والحديث، كلاهما للدكتور محمد حسين الذهبي، وكتاب: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، للدكتور محمد أبوشهبة، وكتاب: بدع التفاسير، لعبد الله بن الصديق الغماري، وكتاب: بدع التفاسير بين الماضي والحاضر، للدكتور رمزي نعناعة، ومن الرسائل الجامعية: رسالتي دكتوراه في القسم، الأولى بعنوان: الأقوال الشاذة في التفسير: نشأتها، أسبابها، آثارها، أعدها الباحث عبد الرحمن بن صالح الدهمش، والأخرى بعنوان: الانحراف الفكري في التفسير المعاصر، أعدها الباحث يحيى ضاحي شطناوي.
1 / 4
ودراسة منهج المفسرين في نقد التفسير بوجه عام دون تحديد ذلك بزمن أو فئة مما لا يمكن الإلمام به في رسالة واحدة، لذا رأيت الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين ﵃، وقد سميت هذا الموضوع:
نقد الصحابة والتابعين للتفسير، دراسة نظرية تطبيقية
أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
أولًا: أن العناية بنقد التفسير، والنظر في مناهجه ورجاله وكتبه، ومروياته وأقواله؛ لمعرفة الصحيح والضعيف مهم في الدفاع عن كتاب الله، وله أثر على القارئ في طمأنينته وثقته بالآراء الصحيحة، فإن الشخص قد يعرف الرأي الراجح في معنى الآية، لكنه يسمع بآراء أخرى مرجوحة أو مردودة، فإذا لم تنتقد بقيت عالقةً بذهنه، وربما أصبحت حجر عثرة في طريق معرفة الصحيح، أما إذا انتقدت وتبين ضعفها، كان ذلك أدعى لنفرته منها، ورجوعه إلى الآراء الصحيحة.
ثانيًا: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها، وبيان أهدافها ومجالاتها وأسسها، والنظر والتأمل في جهود المفسرين، وطريقتهم في نقد المناهج والرجال والمرويات والأقوال.
وإذا وجب على المفسرين العناية بمعرفة صحيح المناهج والمرويات والأقوال، وكيفية الوصول إليها، وطرق الترجيح وقواعده، فإنه يجب عليهم
1 / 5
معرفة الضعيف ومنشأه، والمنهج السليم في نقده، بل معرفة هذا لا تقل أهمية عن معرفة ذاك.
ومما يؤكد أهمية هذه الدراسة أنها تبرز مكانة المفسرين في النقد، وعلو كعبهم فيه، كما تعطي تصورًا مشرقًا عنهم، لا كما يظن بعض الناس من أنهم مجرد نقلةٍ للأخبار والمرويات والأقوال دون نظر ولا تدقيق.
ثالثًا: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل، كظاهرة الاختلاف والترجيح، على حين لم يقم أحد بدراسة ظاهرة النقد وتأصيلها، فأصبح من المهم تسليط الضوء عليها.
رابعًا: أن هذه الدراسة تغطي جانبًا مهمًا من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة، فهي تعطي القارئ تصورًا عامًا عن نقد التفسير: دواعيه ومجالاته وأثره، وقواعده التي ينطلق منها، ومدى اهتمام المفسرين وعنايتهم به.
خامسًا: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل، ومن جاء بعدهم فعنهم يأخذ، ومن معينهم ينهل، وهم يمثلون المنهج الصحيح للنقد، فالنقد يتأثر عادة بما يحمله الناقد من أفكار ومبادئ، فهو يختلف باختلاف المشرب والهدف، وكما مارسه أهل السنة، مارسه أهل البدع، ولكلٍّ توجهاته ومنطلقاته النقدية، فالحاجة ماسة إلى إبراز نقد يمثل المنهج الصحيح.
وأما إدراج التابعين مع الصحابة ﵃ فلما بينهم من التشابه والتقارب في كثير
1 / 6
من الأمور، فالأصول واحدة، والأهداف والمناهج مشتركة، والصحابة أساتذة التابعين، ومنهم أخذ التابعون التفسير وتلقوا أصوله.
ومهما قيل في الفروق بين الصحابة والتابعين في التفسير فإنها لا تعدو فروقًا يسيرة إذا قورنت بالفروق التي حدثت بعدهم، حين اتسع الخرق، وفشت البدع، وتفرقت بالناس الآراء والأهواء.
وفي الجملة فمدرسة الصحابة والتابعين ﵃ تُعد واحدة بالنسبة للعصور اللاحقة.
1 / 7
خطة البحث
يشتمل البحث على الآتي:
١ - المقدمة.
٢ - التمهيد.
ويتضمن ما يلي:
أولًا: التعريف بالموضوع.
ثانيًا: النقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة.
٣ - أبواب الرسالة، وهي:
الباب الأول: جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه.
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره.
الفصل الثاني: الاهتمام بالتفسير الصحيح، والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم.
الفصل الثالث: الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين.
1 / 8
الباب الثاني: دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير وأساليبه ومميزاته:
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: دواعي النقد عند الصحابة والتابعين.
الفصل الثاني: أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير.
الفصل الثالث: مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير.
المبحث الثاني: أبرز نقاد الصحابة والتابعين.
الباب الثالث: مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين:
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: نقد طرق التفسير ومناهجه.
الفصل الثاني: نقد رجال التفسير.
الفصل الثالث: نقد الأقوال.
الباب الرابع: أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره:
1 / 9
وفيه فصلان:
الفصل الأول: أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين:
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الأسس المتعلقة بالرواية.
المبحث الثاني: الأسس المتعلقة بالدراية.
الفصل الثاني: أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير.
٤ - الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث وتوصياته.
٥ - الفهارس وتشمل: فهرس الآيات، وفهرس الأحاديث، وفهرس الآثار، وفهرس الشعر، وفهرس تراجم الأعلام، وثبت المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
منهج البحث:
أولًا: كتابة الآيات بالرسم العثماني، وعزوها بذكر اسم السورة، ورقم الآية.
ثانيًا: تخريج الأحاديث تخريجًا علميًا، وعزوها إلى مصادرها الأصلية، فإن
1 / 10
كان الحديث في الصحيحين اكتفيت بهما أو بأحدهما، وإن كان في غيرهما اجتهدت في ذكر من خرجه من أصحاب الدواوين، ناقلًا كلام العلماء فيه تصحيحًا أو تضعيفًا.
ثالثًا: عزو الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين ﵃ إلى مصادرها الأصلية التي تروي بالإسناد، أو التي تحيل إلى الكتب المسندة، ولم يفتني من ذلك إلا القليل ولله الحمد.
رابعًا: فيما يتصل بالاستشهاد بأقوال الصحابة والتابعين استشهدت بكل نقد لمنهج أو مفسر، أو قول، أو عمل مبني على تأول آية وفهمها، وذكرت كل نقد لتفسير سواء تبنى هذا التفسير أحد من الناس، أو أُورد على سبيل الاستشكال؛ لأنه - والحالة هذه - يعد فهمًا للنص القرآني، وقد يوجد من يتبناه.
ولم اقتصر في نقل الشواهد والأمثلة عن الصحابة والتابعين على المشهورين بتفسير القرآن، وإنما نقلت عن كل من عرف بالعلم، ونقل عنه العلماء في مصنفاتهم، وإن كان أغلب الشواهد لمن اشتهر بالتفسير منهم.
ولم اقتصر أيضًا في نقل الشواهد على كتب التفسير فقط؛ نظرًا لسعة الموضوع وتشعب أطرافه، وتعلق بعض مواضيعه بعلوم أخرى كالعقيدة وعلم الرجال؛ لذا رجعت إليها في مظانها.
وقد أحتاج لتكرار شاهد واحد في أكثر من موطن؛ نظرًا لتعلقه بقضايا عدة، فالشاهد الواحد قد يفيد أسلوبًا نقديًا، ويكون في نقد منهج، ويحوي بين
1 / 11
ثناياه دليلًا نقديًا، وهكذا.
ونظرًا لطبيعة البحث وعنايته بالتطبيق فقد عُنيت بإيراد الشواهد والأمثلة التوضيحية؛ لما لها من أثر واضح في بيان المسائل.
خامسًا: التعريف المختصر بالأعلام غير المشهورين الوارد ذكرهم في متن الرسالة.
سادسًا: التعريف بغريب الفرق والأماكن والألفاظ.
ولم يخل البحث من معوقات كان أبرزها جمع مادته العلمية المتناثرة التي لا يحويها مكان خاص، وكثير منها موجود في غير كتب التفسير، وقد اضطرني تفرق المادة العلمية في المصنفات إلى قراءة كتب كاملة قبل أن أبدأ، فقرأت جامع البيان والدر المنثور، وتفسير عبد الرزاق، وكتاب التفسير من فتح الباري، ثم قرأت فيما بعدُ تفسير ابن أبي حاتم، ومواطن كثيرة من كتب السنة والعقيدة والتراجم وغيرها.
والحمد لله أولًا وآخرًا، باطنًا وظاهرًا، فلولا عونه وتوفيقه ما استطعت إنجاز البحث وتجاوز تلك العقبات، ثم لفضيلة المشرف على البحث الأستاذ الدكتور: زاهر بن عواض الألمعي جميل شكري وتقديري، فإنه ما فتئ يحوطني بنصحه وتوجيهه؛ أسأل الله أن يبارك له في عمره وعمله.
كما أتوجه بالشكر لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ممثلة بكلية
1 / 12
أصول الدين، وقسم القرآن وعلومه على تفضلهم بقبولي للدراسة في برنامج الدكتوراه.
وأشكر كل من أعانني على إتمام البحث برأي أو تسديد.
وقد بذلت في هذا البحث ما استطيع، فما فيه من صواب فهو بتوفيق الله ﷿، وما فيه من خلل ونقص فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله من خللي وتقصيري.
وأسأل الله أن يمنَّ علي ومن قرأ هذا البحث بالعلم النافع والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
1 / 13
التمهيد
وفيه:
أولًا: التعريف بالموضوع.
ثانيًا: النقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة.
1 / 14
أولًا
التعريف بالموضوع
١ - تعريف النقد:
يأتي النقد في لغة العرب على ثلاثة معان:
أ- بمعنى: تمييز الشيء والكشف عنه واختباره، ومن ذلك نقدُ الدراهم؛ إذا كُشف عن حالها؛ ليعلم رديئها من جيدها (١).
ويقال: هو ينقد إلى الشيء بعينه؛ إذا أدام النظر إليه باختلاس حتى لا يفطن ... له، فكأنه يحاول الكشف عما ينظر إليه والتحقق من حاله (٢).
ونقد الكلام: تمييز جيده من رديئه، وصحيحه من فاسده (٣).
_________
(١) انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (ص ١٠٠٦)، وأساس البلاغة للزمخشري (ص ٦٥٠) مادة "نقد".
(٢) انظر: الصحاح للجوهري (٢/ ٥٤٥)، وأساس البلاغة (ص ٦٥٠) مادة "نقد".
(٣) المعجم الوسيط (ص ٩٤٤) مادة "نقد".
1 / 15
ب - ويأتي صفةً للشيء الجيد المستحسن، يقال: درهم نقد؛ إذا كان جيدًا (١).
ج - ويأتي النقد صفةً لما يعاب ويستكره: فالنقد من الناس سفلتهم، و"نَقَد" بالتحريك يطلق على غنم صغار الأرجل قباح الوجوه.
ويسمى التكسر في الضرس، وتآكل الحافر وتقشره، وعيب الناس وذمهم نقدًا (٢)، وفي الأثر:» إن نقدت الناس نقدوك «(٣) أي: إن عبتهم واغتبتهم قابلوك بمثله (٤).
والنقد في الاصطلاح يشمل المعاني الثلاثة، فهو عملية مشتركة تبدأ بالنظر والتمييز، وتنتهي ببيان الجيد من الرديء، والصحيح من الفاسد، وهو مستعمل في أكثر العلوم بهذا المعنى (٥).
وحديثنا عن النقد يتناوله بمعانيه الثلاثة، أما المعنى الأول فيرد في الكلام عما تمتع به الصحابة والتابعون ﵃ من النظر الصائب، والتمييز الدقيق في مجالات التفسير المختلفة، وأما المعنى الثاني فيرد في ذكر جهودهم في دفع الخطأ في فهم
_________
(١) معجم مقاييس اللغة (ص ١٠٠٦) مادة "نقد".
(٢) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (٩/ ٣٧)، والصحاح (٢/ ٥٤٤) مادة "نقد".
(٣) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (٧/ ١٩٩)، ورجح أنه من كلام أبي الدرداء ﵁.
(٤) تهذيب اللغة (٩/ ٣٧)، والنهاية في غريب الحديث (٥/ ١٠٤) مادة "نقد".
(٥) انظر: التمييز للإمام مسلم، مقدمة المحقق (ص ٨)، ونقد الشعر لقدامة بن جعفر (ص ١٥).
1 / 16
القرآن الكريم، واهتمامهم بالتفسير الصحيح وعنايتهم بالقواعد التي تعين على فهم كتاب الله، وإشادتهم بأئمة التفسير، وسيأتي الحديث عن ذلك كله في الباب الأول إن شاء الله تعالى، وأما النقد بمعناه الثالث فهناك حديث مستفيض عما عابه الصحابة والتابعون وذموه في التفسير من المناهج والرجال والمرويات والأقوال.
وعليه نستطيع تعريف نقد التفسير بأنه: تمييز التفسير بمجالاته المختلفة؛ مناهج ورجال، ومرويات وأقوال، وبيان الصحيح من الضعيف.
٢ - تعريف الصحابي:
لفظ الصحابي من حيث الوضع اللغوي مشتق من الصحبة (١)، والمراد صحبة النبي ﷺ، وهناك مسائل عديدة متعلقة بمن يصح إطلاق اسم الصحابي عليه، وقد أكثر العلماء الحديث عنها؛ مثل: صحة إطلاقه على من رأى النبي ﷺ وهو دون التمييز، أو رآه حال كفره ثم أسلم بعد وفاته، أو رآه بعد وفاته، ومثل دخول الملائكة والجن في مسمى الصحابة (٢).
غير أن القضية التي اهتم بها العلماء، وأخذت قدرًا كبيرًا من حديثهم واختلافهم هي المقدار الزمني للصحبة ليصح إطلاق اسم الصحابي على من رأى
_________
(١) انظر: الكفاية للخطيب البغدادي (ص ١٠٠)، والقاموس المحيط (ص ١٣٤) مادة "صحب".
(٢) انظر في هذه القضايا: التقييد والإيضاح للعراقي (ص ٢٩٢ - ٢٩٦)، والإصابة في تمييز الصحابة (١/ ٧ - ٨)، وفتح المغيث للسخاوي (٤/ ٧٨ - ٨٤).
1 / 17
النبي ﷺ.
فمذهب جمهور العلماء والمحدثين الاكتفاء بالقدر اليسير من الصحبة، وعدم اشتراط طولها.
يقول ابن كثير (١):» الصحابي من رأى رسول الله ﷺ في حال إسلام الراوي وإن لم تطل صحبته له، وإن لم يرو عنه شيئًا، هذا قول جمهور العلماء خلفًا وسلفًا» (٢).
وذكر بعض العلماء أن هذا المذهب طريقة أهل الحديث (٣).
والتعبير بالرؤية قد يفهم منه إخراج من لا يستطيع رؤية النبي ﷺ كالأعمى؛ لذا عبر بعض العلماء عن الرؤية باللقاء، فعَرَّفَ الصحابي بأنه من لقي النبي ﷺ (٤).
وذهب بعض الأصوليين إلى اشتراط طول الصحبة لصحة إطلاق اسم الصحابي على من رأى النبي ﷺ، فمجرد الرؤية واللقاء ليس كافيًا في نظرهم، وإن
_________
(١) هو الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، ولد سنة (٧٠٠)، وتلمذ على ابن تيمية والمزي، من مصنفاته: تفسير القرآن، والأحكام، والبداية والنهاية، وتوفي عام (٧٧٤).
انظر: الدرر الكامنة لابن حجر (١/ ٣٩٩)، وشذرات الذهب لابن العماد (٦/ ٢٣١).
(٢) الباعث الحثيث (ص ١٥١)، وانظر فتح الباري (٧/ ٤).
(٣) مقدمة ابن الصلاح (ص ٤٨٦).
(٤) انظر: التقييد والإيضاح (ص ٢٩٢)، ونزهة النظر لابن حجر (ص ١٢٧ - ١٢٨).
1 / 18
كان صحيحًا من حيث الاستعمال اللغوي، فيطلق على من صحب شخصًا ولو ساعة.
ويضيف هؤلاء أن العرف قيد الوضع اللغوي، فلا يطلق اسم الصحابي إلا على من كثرت صحبته للنبي ﷺ، واختص به اختصاص الصاحب بالمصحوب لا على من لقيه ساعة (١).
والمذهب الأول هو الراجح، وعليه العمل عند المحدثين والأصوليين (٢)، واستدل ابن كثير لرجحانه بقول النبي ﷺ:» يأتي على الناس زمان، يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله ﷺ؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله ﷺ؟، فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله ﷺ؟، فيقولون: نعم، فيفتح لهم «(٣).
_________
(١) انظر: المستصفى للغزالي (١/ ١٦٥)، والواضح لابن عقيل (٥/ ٦٠)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (٢/ ٩٢)، ومفردات ألفاظ القرآن (ص ٤٧٥) مادة "صحب".
(٢) انظر: فتح الباري لابن حجر (٧/ ٣)، وفتح المغيث للسخاوي (٤/ ٨٦)، ورجحه من الأصوليين: ابن عقيل الحنبلي في الواضح (٥/ ٦١ - ٦٢)، وابن قدامة في روضة الناظر (٢/ ٤٠٤)، والآمدي في الإحكام (٢/ ٩٢)، وابن النجار في شرح الكوكب المنير (٢/ ٤٦٥).
(٣) أخرجه عن أبي سعيد الخدري ﵁ بهذا اللفظ مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة (٤/ ١٩٦٢) برقم (٢٥٣٢)، وأخرجه البخاري بلفظ: «فيكم من صحب رسول الله ﷺ؟» في عدة مواضع؛ بوب على أحدها بقوله: باب فضائل أصحاب النبي ﷺ، ومن صحب النبي أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه. صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ (٤/ ١٨٨).
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف (١٢/ ١٧٨) عن واثلة بن الأسقع ﵁ عن النبي ﷺ قال: «لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني». قال ابن حجر في فتح الباري (٧/ ٥): «إسناده حسن»، وانظر مجمع الزوائد (١٠/ ٢٠).
1 / 19
فدل الحديث على» أن مجرد الرؤية كاف في إطلاق الصحبة، لشرف رسول الله ﷺ وجلالة قدره وقدر من رآه من المسلمين «(١).
وأما ما ذكره أصحاب الرأي الثاني من اشتراط طول الصحبة فله تأثير في الفضل، فإن الصحابة متفاوتون في الفضيلة بحسب قربهم من النبي ﷺ، وملازمتهم له، وتقدم إسلامهم ونحو ذلك.
وقد اتفق العلماء على أن من ثبتت صحبته للنبي ﷺ فقد ثبتت عدالته وثقته، وليس بحاجة إلى تعديل أحد (٢).
٣ - تعريف التابعي:
الاختلاف في تعريف التابعي قريب من الاختلاف في تعريف الصحابي،
_________
(١) الباعث الحثيث (ص ١٥٣).
(٢) انظر: الكفاية (ص ٩٦)، والمستصفى للغزالي (١/ ١٦٤)، ومقدمة ابن الصلاح (ص ٤٩٠)، والإصابة لابن حجر (١/ ١٠).
1 / 20