الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١
ژانرها
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان [١]
إن الله ﷾ اختص قومًا بولايته؛ لأنه علم منهم أهلية لذلك، وذلك مقام رفيع، فلما سمع قوم بذلك أرادوا أن يبلغوا الولاية ولكنهم لم يلتزموا بشرع الله، ولا اتبعوا أوامره، فادعوا الولاية وافتروا على الله، بل بعضهم جعل ما يفعله من الحرام دلالة على ولايته، ولكن الله جعل لأوليائه علامات تميز الدخيل فيهم ممن ليس منهم، فهيهات أن يدرك درجة الولاية قوم تمنوها دونما عمل وطاعة واتباع.
1 / 1
مقدمة المؤلف في الكلام عن أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أما بعد: فبقراءة شرح الوصايا المهمة من وصايا شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، وهي رسالة الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
قال شيخ الإسلام ﵀: [بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ أرسله بالهدى، ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، وفرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي، والمؤمنين والكفار، والسعداء أهل الجنة والأشقياء أهل النار، وبين أولياء الله وأعداء الله.
فمن شهد له محمد ﷺ بأنه من أولياء الله فهو من أولياء الرحمن.
ومن شهد له بأنه من أعداء الله فهو من أولياء الشيطان.
وقد بين ﷾ في كتابه وسنة رسوله ﷺ أن لله أولياء من الناس، وللشيطان أولياء.
ففرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فقال تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يونس:٦٢ - ٦٤] وقال تعالى: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الأعراف:١٩٦]].
فقد ذكر الله ﷿ صفة أوليائه أنهم المؤمنون المتقون، وبين ﷿ عاقبة أمرهم أنهم لا خوف عليهم مما هم يقبلون عليه ويقدمون عليه، ولا هم يحزنون على شيء فاتهم أو حصل لهم.
وبين ﷿ أن لهم البشرى في الحياة الدنيا، فمن عاجل بشرى المؤمن ما يلقيه الله ﷾ في قلوب وفي ألسنة الخلق من محبة أوليائه والثناء عليهم.
ومن البشرى في الدنيا كذلك الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو ترى له.
وأما في الآخرة فما تبشرهم به الملائكة عند احتضارهم وعند قيامهم من قبورهم، وعندما تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.
وكذلك من البشرى في الآخرة ما يبشر به العمل الصالح صاحبه حين يأتيه في صورة رجل طيب، حسن الوجه طيب الريح يقول: (أبشر بما يسرك هذا يومك هذا الذي كنت توعد، أنا عملك الصالح).
قال المؤلف ﵀: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة:٢٥٧].
إذًا لله أولياء كما في الآية: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا» والله ﷿ وليهم وهم أولياؤه، فهو يخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلال إلى نور الإيمان والعلم والتوحيد.
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ» ورأس الطواغيت الشيطان، والطاغوت: كل ما عبد من دون الله وهو راض، وهؤلاء بعضهم أولياء بعض، وهم يتعاونون على الكفر والفسوق والعصيان.
«يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ» أي: يتركون الإيمان والعلم والعدل والحق الذي أخبر الله به وأمر به ﷿ إلى ظلمات الظلم والشرك والشك والنفاق وغير ذلك مما يحصل لمن يعبد غير الله.
«أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة:٥١ - ٥٦]].
فالله ﷿ له أولياء من المؤمنين وهو وليهم، ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة:٥٥].
ولا شك أن ذكر هذه الولاية عقب إيجاب البراءة من الكفار، من اليهود والنصارى، وعدم اتخاذهم أولياء دليل واضح على أنه لا تحصل الولاية لله إلا ببغض أعداء الله.
أما النفاق فتدل الآية على أنه يسبب موالاة الكفار، قال تعالى: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» أي: مرض النفاق والشبهات والشهوات «يُسَارِعُونَ فِيهِم» أي: يسارعون في موالاة اليهود والنصارى والكفار بزعم أنهم يخشون وقوع الهزيمة على المسلمين، فيضمنون أنهم قد أعدوا لهذا اليوم عدته بأن والوا أعداء الله، فيتخذون عندهم يدًا يحمون بها أنفسهم إذا غلبوا.
قال ﷿: «فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ» و(عسى) من الله واجبة، فمن تولى الله ﷿، وتولى دين رسوله ﷺ وسنته، وتولى عباد الله المؤمنين، فإن الله يفتح عليه، ويأتي الكفار أمر من عنده ﷿ فيجعل باطلهم ومكرهم وكيدهم هباءً منثورًا، وعند ذلك يندم المنافقون على ما أسروا في أنفسهم من موالاة الكفار.
وبين ﷿ أن المؤمنين يتعجبون من هؤلاء المنافقين، كيف يجمعون بين النقيضين؟ بين كونهم يقسمون أقوى الأيمان -وقد بذلوا الجهد في المبالغة في القسم- أنهم مع المؤمنين، وفي نفس الوقت هم يتخذون الكفار أولياء، فكيف يجتمع هذان النقيضان؟ لا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنًا، وهو في نفس الوقت يتخذ الذين كفروا أولياء.
وقد بين ﷿ أن موالاة الكفار تستوجب - والعياذ بالله - حبوط العمل، وتجلب الخسران، وبين أنها تجر إلى الردة فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ» وهذه صفات أولياء الله أنهم يحبون الله والله يحبهم، وكذلك من صفاتهم: «أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ» وأضافوا إلى ذلك الجهاد في سبيل الله، وأنهمولن يخافون لومة اللائمين الذين يلومون من يجاهد في سبيل الله، ومن يعمل لإعلاء كلمة الله.
«ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» فمن تفضل الله ﷿ عليه بحبه، وبالذلة على المؤمنين، والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيله، فهذا قد آتاه الله ﷿ من فضله، والله واسع عليم.
ثم حصر ﷿ الموالاة أنها تكون لمن لديهم صفات معينة، وهي: أنهم المؤمنون، والمقيمون للصلاة، والمؤتون للزكاة، والذين يركعون ويخضعون لله ﷿.
وبين الله انتصار هذا الحزب الذي يشترط لعضويته: أن يكون الإنسان مؤمنًا مصليًا مزكيًا مطيعًا لله ﷿.
والغرض المقصود من هذه الآية في هذا الباب هو قوله: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» فلله ﷿ أولياء.
قال المؤلف ﵀: [قال تعالى: ﴿هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ [الكهف:٤٤]].
أي: هو يتولى أمور عباده عمومًا، وأمور عباده المؤمنين بالحفظ والعناية خصوصًا.
قال المؤلف ﵀: [قال تعالى: وذكر أولياء الشيطان فقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النحل:٩٨ - ١٠٠]].
إذًا: هناك من يتولى الشيطان، والشيطان وليه.
قال المؤلف ﵀: [وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء:٧٦]].
فسماهم أولياء الشيطان وأمر بقتالهم؛ لأنهم يصدون عن سبيل الله ويشركون به، ويظهرون الفساد في الأرض.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: وقال تعال
1 / 2
وجوب التفريق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الله ورسوله بينهما.
فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس:٦٢ - ٦٣]].
قال المؤلف ﵀: [وفي الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: (يقول الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة (أو فقد آذنته بالحرب) وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، (وفي رواية) فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه).
فهذا أصح حديث يروى في الأولياء.
فبين النبي ﷺ أنه من عادى وليًا لله فقد بارز الله بالمحاربة.
وفي حديث آخر: (وإني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب)]، أي: الليث الذي يحارب أو نحو ذلك، وهذا التشبيه إنما هو في شدة البأس، وهو لتقريب الأمر إلى أذهان العباد، وإلا فالله ليس كمثله شيء.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أي آخذ ثأرهم ممن عاداهم كما يأخذ الليث ثأره.
وهذا لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبوا ما يحب وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا بما يأمر، ونهوا عما ينهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع، كما في الترمذي وغيره عن النبي ﷺ أنه قال: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله).
وفي حديث آخر رواه أبو داود وقال: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)].
1 / 3
بيان مفهوم الولاية والعداوة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والولاية: ضد العداوة، وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة: البغض والبعد.
وقد قيل: إن الولي سمي وليًا من موالاته للطاعات، أي: متابعته لها، والأول أصح، والولي: القريب، يقال: هذا يلي هذا أي: يقرب منه، ومنه قوله النبي ﷺ: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر) أي: لأقرب رجل إلى الميت وأكده بلفظ الذكر؛ ليبين أنه حكم يختص بالذكور ولا يشترك فيه الذكور والإناث]،أيضًا لكي لا يتوهم أن ذلك خاص بالرجال دون الصبيان وسائر الذكور.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: كما قال ﷺ في الزكاة: (فابن لبون ذكر).
فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له فيما يحبه ويرضاه ويبغضه ويسخطه ويأمر به وينهى عنه كان المعادي لوليه معاديًا له.
كما قال تعالى: ﴿لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾ [الممتحنة:١].
فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه، ولهذا قال: (ومن عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة)].
1 / 4
الأنبياء أفضل أولياء الله
قال المؤلف ﵀ [وأفضل أولياء الله (الأنبياء، وأفضل الأنبياء المرسلون) منهم، وأفضل المرسلين أولوا العزم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليه الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى:١٣].
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [الأحزاب:٧]] وأولوا العزم على قول جمهور العلماء: هم هؤلاء الخمسة المذكورون في الآية.
والقول الآخر: أن كل الرسل أولي عزم.
واستدل الأولون بقول الله ﷿ عن آدم: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه:١١٥].
وقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف:٣٥] والأصل في (من) أنها للتبعيض، ولا شك في أفضيلة هؤلاء، وقد نص الله على ذكرهم، وذلك دليل على فضلهم.
1 / 5
فضل الرسول ﷺ وفضل أمته
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأفضل أولي العزم: محمد ﷺ خاتم النبيين وإمام المتقين، وسيد ولد آدم ﷺ، وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون].
وقد روي في الحديث أنه ﷺ خطيبهم إذا وفدوا على الله، وإن كان الحديث لم يصح نصًا، ولكن في حديث الشفاعة ما يدل عليه؛ فإن الذي يتقدم ويسجد بين يدي الله، ويشفع عند الله ﷾ في أمر خلقه هو النبي ﵊، فهو خطيبهم إذا وفدوا على الله، وهو صاحب المقام المحمود أي: الشفاعة التي يتراجع عنها أولو العزم من الرسل، وهذا المقام يغبطه به الأولون والآخرون.
قال المؤلف ﵀: [صاحب لواء الحمد].
أي: يوم القيامة، وفي ذلك يقول ﷺ: (لواء الحمد بيدي وآدم ومن دونه تحت لوائي) أو كما قال ﵊؛ لأن الله ﷿ يفتح عليه من أنواع المحامد والثناء مالم يفتحه على أحد قبله ﵊، فيجعل الله لواء يسمى: (لواء الحمد) يعرف به ﵊.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وصاحب الحوض المورود].
والحوض قد أخبر النبي ﷺ عنه أن: (آنيته كعدد نجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدًا).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وشفيع الخلائق يوم القيامة، وصاحب الوسيلة والفضيلة].
وهذه منزلة لا تنبغي إلا لعبد، وهو رسول الله ﷺ، وقد جاء عنه ﵊ أن من سأل له الوسيلة حقت له الشفاعة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بعثه الله بأفضل الكتب، وشرع له أفضل شرائع دينه، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، وجمع له ولأمته من الفضائل والمحاسن ما فرقه فيمن قبلهم].
أي: أنه قد يكون في بعض الأمم بعض الفضائل، أما هذه الأمة فاجتمعت فيها كل الفضائل في العلم والعمل.
قال المؤلف ﵀: [وهم آخر الأمم خلقًا، وأول الأمم بعثًا، كما قال ﷺ في الحديث الصحيح: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)]، أي: نحن الآخرون زمنًا السابقون يوم القيامة إلى الله ﷿ منزلة وقدرًا].
قال المؤلف ﵀: [قال: (بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه) -يعني: يوم الجمعة- فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع: (غدًا لليهود وبعد غد للنصارى)].
أي: أنهم اختلفوا في يوم الجمعة، وقد كان شرع لهم ابتداء، لكن لما اختلفوا فيه رفع ذلك عنهم ولم يعد مشروعًا لهم أن يعظموا يوم الجمعة؛ حرمانًا لهم من ثوابه وفضله، بل لهم تعظيم السبت وتعظيم الأحد بدلًا من تعظيم الجمعة.
قال المؤلف ﵀: [وقال ﷺ: (أنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر) أي: أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة هو رسول الله ﷺ.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ﷺ: (آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد ﷺ، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك).
وفضائله ﷺ وفضائل أمته كثيرة].
1 / 6
الإيمان برسوله ﷺ واتباعه ظاهرًا وباطنًا دليل على ولاية الله تعالى
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن حين بعثه الله جعله الله الفارق بين أوليائه وبين أعدائه، فلا يكون وليًا لله إلا من آمن به وبما جاء به، واتبعه باطنًا وظاهرًا، ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه فليس من أولياء الله، بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران:٣١].
قال الحسن البصري ﵀: ادعى قوم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية محنة لهم].
أي: امتحانًا لهم إن كانوا صادقين في حب الله فليتبعوا النبي ﷺ.
قال المؤلف ﵀: [وقد بين الله فيها أن من اتبع الرسول ﷺ فإن الله يحبه، ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول ﷺ فليس من أولياء الله].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم أو في غيرهم أنهم من أولياء الله ولا يكونون من أولياء الله، فاليهود والنصارى يدعون أنهم أولياء الله، وأنه لا يدخل الجنة إلا من كان منهم، بل يدعون أنهم أبناء الله، وأحباؤه، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [المائدة:١٨].
وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة:١١١ - ١١٢]].
قال المؤلف ﵀: [وكان مشركوا العرب يدعون أنهم أهل الله لسكناهم مكة ومجاورتهم البيت، وكانوا يستكبرون به على غيرهم كما قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ﴾ [المؤمنون:٦٦ - ٦٧].
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال:٣٠ - ٣٤].
فبين سبحانه أن المشركين ليسوا أولياءه ولا أولياء بيته إنما أولياؤه المتقون].
وهذه القضية مهمة جدًا، وهي: أن ظن الإنسان أنه ولي لله ﷿ لا يلزم منه أن يكون وليًا في الحقيقة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول جهارًا من غير سر: (إن آل فلان ليسوا لي بأولياء) -أي: طائفة من أقاربه- (إنما وليي الله وصالح المؤمنين)، وهذا موافق لقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم:٤].
وصالح المؤمنين هو من كان صالحًا من المؤمنين وهم المؤمنون المتقون أولياء الله، ودخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا ألفًا وأربعمائة كلهم في الجنة كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)، ومثل هذا الحديث الآخر: (إن أوليائي المتقون من كانوا وحيث كانوا)].
1 / 7
ادعاء الولاية من بعض الكفار والمنافقين
قال المؤلف ﵀: [كما أن من الكفار من ادعى أنه ولي الله وليس وليًا لله بل عدو له، فكذلك من المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويقرون في الظاهر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأنه مرسل إلى جميع الإنس بل إلى الثقلين الإنس والجن، ويعتقدون في الباطن ما يناقض ذلك، مثل أن لا يوقروا في الباطن بأنه رسول الله ﷺ، وإنما كان ملكًا مطاعًا ساس الناس برأيه من جنس غيره من الملوك، أو يقولون: إنه رسول الله إلى الأميين دون أهل الكتاب كما يقوله كثير من اليهود والنصارى] ويوافقهم في ذلك طوائف ممن لا يخطِّئ اليهود والنصارى، ولا يلزم باتباع النبي ﷺ والعياذ بالله، وهذا من المنافقين الذين يعتقدون خلاف ما يظهرون حين يقولون: إن النبي ﷺ هو رسولنا نحن، وهم لهم أنبياؤهم ورسلهم والعياذ بالله، وهذا من النفاق الأكبر.
يقول المؤلف ﵀: [أو أنه مرسل إلى عامة الخلق وأن لله أولياء خاصة لم يرسل إليهم ولا يحتاجون إليه، بل لهم طريق إلى الله من غير جهته.
كما كان الخضر مع موسى] وهذا الكلام هو أيضًا كلام بعض الصوفية الغلاة الذين يقولون مثل هذه الضلالات الكفرية.
وتجد هؤلاء يركزون على قصة الخضر وموسى، ويحرفونها عما تدل عليه، وموسى ﵇ كان رسولًا إلى بني إسرائيل، ولم يكن رسولًا إلى الناس كافة، ولا مانع من وجود نبي في زمنه يوحى إليه، فالخضر إما نبي وإما متبع لنبي يأتيه وحي قاطع من عند الله ﷿ بهذه الأفعال، ويقولون: إن أهل الالتزام بما جاء به الأنبياء هم أهل الشريعة، وأما أهل الباطن فهم أهل الحقيقة، فمن كان على حال الخضر فهو يعرف بواطن الأمور التي لا يعرفها أهل الشريعة، وقد يفعلون أشياء منكرة وهي في الحقيقة من المعروف، مثل قتل من لا يستحق القتل ونحو ذلك، وهم بهذا يؤصلون أن الولي مهما فعل من أمورًا مستنكرة فلا ينكر عليه؛ لأن الذي ينكر عليهم لا يعرف الباطن، كما أن موسى كان مخطئًا حين أنكر على الخضر كما يقولون، وفتح هذا الباب يؤدي إلى الفواحش والمنكرات باسم الكرامات، لذلك تجد أهل الضلال والكفر والعياذ بالله يعظون ليستحلوا المحرمات فقط.
ويقول بعضهم: إن من كرامة سيدي فلان الفلاني والعياذ بالله أنه خطب يومًا فقال: أشهد أن لا إله لكم إلا إبليس ﷺ، فقال الناس: كفر كفر، فسل السيف ونزل من على المنبر، قال: وفعل ذلك ثلاثين جمعة! فمن يرضى بهذا الكلام يكون كافرًا والعياذ بالله.
ويذكرون أن من كرامات فلان الفلاني أنه كان ينزل شيخ البلد من على بغلته، فإن امتنع تسمر في مكانه، فيفعل بالدابة، والعياذ بالله، وهذه من أفضع الفضائع ومع ذلك يعدونها كرامات!! لذا من اعتقد أن أحدًا يسعه الخروج عن شرع رسول الله ﷺ كما وسع الخضر الخروج عن شرع موسى كان كافرًا، فهذا من نواقض الإسلام كما ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀.
قال المؤلف ﵀: [أو أنهم يأخذون عن الله كل ما يحتاجون إليه وينتفعون به من غير واسطة، أو أنه مرسل بالشرائع الظاهرة، وهم موافقون له فيها، وأما الحقائق الباطنة فلم يرسل بها أو لم يكن يعرفها، أو هم أعرف بها منه، أو يعرفونها مثل ما يعرفها من غير طريقته.
وقد يقول بعض هؤلاء: إن أهل الصفة كانوا مستغنين عنه ولم يرسل إليهم].
ولذلك تجدهم لا يهتمون بالسنة، ولا يبحثون في تهذيب النفوس من خلال سيرة وسنة النبي ﷺ، بل عندهم وسائلهم الخاصة بهم.
1 / 8
إبطال ما يزعمه أدعياء الولاية في أهل الصفة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومنهم من يقول: إن الله أوحى إلى أهل الصفة في الباطن ما أوحى إليه ليلة المعراج فصار أهل الصفة بمنزلته].
فهم ظنوا أن كلمة الصوفية مأخوذة من الصفة، وهي ليست كذلك، لذا فإن من الكفر والعياذ بالله أن يقال: إنه يوحى إلى أهل الصفة في الباطن ما أوحى إليه ليلة المعراج.
وأهل الصفة كانت بدايتهم أن هناك من يهاجر إلى رسول الله ﷺ ولا يجد مأوى، فجعل لهم في مؤخرة المسجد مكان يأوون إليه.
قال المؤلف ﵀: [وهؤلاء من فرط جهلهم لا يعلمون أن الإسراء كان بمكة كما قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء:١].
وأن الصفة لم تكن إلا بالمدينة وكانت صفة في شمالي مسجده ﷺ ينزل بها الغرباء الذين ليس لهم أهل وأصحاب ينزلون عندهم، فإن المؤمنين كانوا يهاجرون إلى النبي ﵌ إلى المدينة، فمن أمكنه أن ينزل في مكان نزل به، ومن تعذر عليه ذلك نزل في المسجد إلى أن يتيسر له مكان ينتقل إليه.
ولم يكن أهل الصفة ناسًا بأعيانهم يلازمون الصفة بل كانوا يقلون تارة ويكثرون أخرى، ويقيم الرجل بها أيامًا ثم ينتقل منها، والذين ينزلون بها هم من جنس سائر المسلمين ليس لهم مزية في علم ولا دين، بل فيهم من ارتد عن الإسلام وقتله النبي ﷺ كالعرنيين الذين اجتووا المدينة أي: استوخوهما].
أي: مرضوا من جوها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأمر لهم النبي ﷺ بلقاح أي: إبل لها لبن، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الذود، فأرسل النبي ﷺ في طلبهم فأتي بهم فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم] أي: جعلت المسامير فيها كما فعلوا بالراعي.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتركهم في الحرة يستسقون فلا يسقون] والحرة: أرض فيها حجارة سوداء على أطراف المدينة.
قال المؤلف ﵀: [وحديثهم في الصحيحين من حديث أنس وفيه أنهم نزلوا الصفة، فكان ينزلها مثل هؤلاء ونزلها من خيار المسلمين سعد بن أبي وقاص وهو أفضل من نزل بالصفة، ثم انتقل عنها، ونزلها أبو هريرة وغيره، وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي (تاريخ من نزل الصفة)].
وأما الأنصار فلم يكونوا من أهل الصفة، وكذلك أكابر المهاجرين كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبي عيدة بن الجراح وغيرهم لم يكونوا من أهل الصفة].
وهؤلاء هاجروا في سبيل الله وكانت لهم أموال فاتخذوا بها مساكن، أو تاجروا وربحوا حتى كانت لهم مساكن.
والعرنيين نزلوا مصلحة وطمعوا في المال، فقتلوا راعي إبل الصدقة وأخذوا الإبل طمعًا في المال.
1 / 9
عدم صحة الأحاديث في عدة الأولياء والأبدال وأمثلة لذلك
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد روي أنه كان بها غلام للمغيرة بن شعبة وأن النبي ﷺ قال: (هذا واحد من السبعة) وهذا الحديث كذب باتفاق أهل العلم وإن كان قد رواه أبو نعيم في الحلية، وكذا لك كل حديث يروى عن النبي ﷺ في عدة الأولياء والأبدال والنقباء والنجباء والأوتاد والأقطاب مثل أربعة أو سبعة أو اثني عشر أو أربعين أو سبعين أو ثلاثمائة أو ثلاثة عشر أو القطب الواحد فليس في ذلك شيء صحيح عن النبي ﷺ].
وبعض هذه التسميات وردت لكن لغير ما يقصده هؤلاء، فالنقباء وردت في نقباء الأنصار في بيعة العقبة، والأبدال ورد في حديث موقوف، وأما في فضل الأولياء فتوجد أحاديث صحيحة كثيرة، وأصح حديث في ذلك ما رواه البخاري: (من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب)، وأما الأوتاد والأقطاب فلم ترد لا في كتاب ولا سنة فيما أعلم.
وكلمة الأبدال يعنون بها: أنه كل ما مات منهم أحد جعل الله ﷿ بدلًا منه من أهل الخير لقول النبي ﷺ: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى تقوم الساعة).
فإذا مات في الأمة عالم مثلًا فإن الله يبدل مكانه من هو مثله في العلم، وكذلك في القيام بالحق ونحو ذلك، ولا يلزم أن يكون مثله تمامًا، ولكن مثله في الطريقة؛ فإنه ﷺ لم يكن هناك من خلفه مثله، وأبو بكر لم يكن هناك مثله، فالله يقيم في مقامه بدلًا عنه؛ لأن الحق لا يضيع من هذه الأمة بحمد الله ﵎، فالأبدال هم الذين جعلهم الله ﷿ بدلًا ممن سبقهم من الأولياء الذين يقومون بالحق علمًا وعملًا في هذه الأمة، هذا الذي ورد، أما الأقطاب والأوتاد الذين يدعي الصوفية أنه يدور حولهم روح الكون كله، وأن القطب الواحد تدور الدنيا كلها حول أمره والعياذ بالله فهذا كلام باطل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ إلا بلفظ الأبدال، وروى فيهم حديث أنهم أربعون رجلًا وأنهم بالشام، وهو في المسند من حديث علي ﵁ وهو حديث منقطع ليس بثابت، ومعلوم أن عليًا ومن معه من الصحابة أفضل من معاوية ومن معه بالشام، فلا يكون أفضل الناس في عسكر معاوية دون عسكر علي، وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي ﷺ أنه قال: (تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق)، وهؤلاء المارقون هم الخوارج الحرورية الذين مرقوا لما حصلت الفرقة بين المسلمين في خلافة علي فقتلهم علي بن أبي طالب وأصحابه، فدل هذا الحديث الصحيح على أن علي بن أبي طالب أولى بالحق من معاوية وأصحابه، فكيف يكون الأبدال في أدنى العسكرين دون أعلاهما].
إذًا: هذا الحديث حديث ضعيف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك ما يرويه بعضهم عن النبي ﷺ أنه أنشد منشد: قد لسعت حية الهوى كبدي فلا طبيب لها ولا راقي إلا الحبيب الذي شغفت به فعنده رقيتي وترياقي وأن النبي ﷺ تواجد حتى سقطت البردة عن منكبيه] أي: اهتز وتمايل ووجد من شدة المحبة.
وقوله: (لسعت حية الهوى) تشبيه قبيح جدًا، وهو أن الهوى والحب فعلان، وذلك هو أكثر تشبيهات الصوفية في أشعارهم إذ يشبهون المحبة بالخمر ونعوذ بالله، ويسموها: (القصيدة الخمرية) وقد يسمون بالمقامات العالية مقام السكر مثلًا، ومقام الدهش، ومقام الهيمان، ومصيبة تحصل للإنسان، فكيف يكون مقامًا ممدوحًا؟! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث، وأكذب منه ما يرويه بعضهم أنه فرق ثوبه، وأن جبريل أخذ قطعة منه فعلقها على العرش].
وهذا من خزعبلات الصوفية الموجودة في كتبهم والعياذ بالله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذا وأمثاله مما يعرف أهل العلم والمعرفة برسول الله ﷺ أنه من أظهر الأحاديث كذبًا عليه.
وكذلك ما يروونه عن عمر ﵁ أنه قال: كان النبي ﷺ وأبو بكر يتحدثان وكنت بينهما كالزنجي] أي: يكلمونه بلغة لا يفهمها، ولذا فهم دائمًا يكثرون من استعمال الكلام الغامض.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث] فمن يقر برسالته العامة في الظاهر ويقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويعتقد والعياذ بالله عقيدة وحدة الأديان، أو في وحدة الوجود، أو في الخروج عن الشريعة -والعياذ بالله- ونحو ذلك، فهو منافق.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمقصود هنا أن فيمن يقر برسالته العامة في الظاهر من يعتقد في الباطن ما يناقض ذلك فيكون منافقًا، وهو يدعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به الرسول ﷺ إما عنادًا وإما جهلًا].
وهذا الجهل ليس معتبرًا في هذه الحالة؛ لأنه جهل نشأ عن الإعراض؛ فإن الرسول ﷺ بعث إلى الناس كافة، وشريعته هي شريعة الخلق جميعًا الإنس والجن.
وأذكر أن شخصًا رأى آخر، فقال له: لماذا لا تصلي؟ فأجاب: أنه رجل واصل فلم يعد يكلف بالصلاة، لأنه وصل إلى المراتب العالية والعياذ بالله، وبعضهم من المجانين يقولون: جذبته المحبة فأصبح لا يحتاج إلى هذه التكاليف.
وهذا الرجل لو كان مجنونًا حقيقة فهو معذور، وأما لو كان عاقلًا فهو كافر؛ لأنه مستحل لترك الصلاة، وكان أبي ﵀ يحكي لي عن بعض الأقارب ممن له مقام -كما يقولون- أنه كان عندما يأتي رمضان لا يصوم ولا يصلي، فيقول له خالي: صل.
فيقول: الصلاة وسيلة لا غاية، ونحن قد وصلنا إلى الغايات، فلا حاجة بنا إلى الوسائل.
والعياذ بالله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كما أن كثيرًا من النصارى واليهود يعتقدون أنهم أولياء الله وأن محمدًا رسول الله ﵌، ولكن يقولون: إنما أرسل إلى غير أهل الكتاب وأنه لا يجب علينا إتباعه؛ لأنه أرسل إلينا رسولًا قبله، فهؤلاء كلهم كفار مع أنهم يعتقدون في طائفتهم أنهم أولياء الله، وإنما أولياء الله هم الذين وصفهم الله تعالى بولايته بقوله: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس:٦٢ - ٦٣].
1 / 10
وجوب الإيمان بجميع الكتب والرسل
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولابد في الإيمان -وهو الوصف الأول من وصف أولياء الله وهم الذين آمنوا- من أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويؤمن بكل رسول أرسله الله، وكل كتاب أنزله الله كما قال تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة:١٣٦ - ١٣٧].
وقال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة:٢٨٥] إلى آخر السورة.
وقال في أول السورة: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة:٥١ -].
1 / 11
وجوب الإيمان بأن محمدًا خاتم النبيين
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلابد في الإيمان من أن يؤمن أن محمدًا ﷺ خاتم النبيين لا نبي بعده، وأن الله أرسله إلى جميع الثقلين الإنس والجن، فكل من لم يؤمن بما جاء به فليس بمؤمن فضلًا عن أن يكون من أولياء الله المتقين، ومن آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر ليس بمؤمن، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء:١٥٠ - ١٥٢]].
واستدل بهذه على أن من آمن ببعض الرسل وكفر ببعض فهو كافر، ومن آمن ببعض ما جاء به الرسول ﷺ وكفر ببعض فهو كافر، كما قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾ [البقرة:٨٥].
وهذا دليل على أن فاعل هذا كاف لكفره؛ لأن أشد العذاب لا يكون لعصاة الموحدين، وإنما يكون للكفرة والمنافقين والعياذ بالله، وهذا دليل أيضًا على لزوم الإيمان بكل الرسل، ولزوم الإيمان بكل ما جاء به الرسول ﵌.
1 / 12
لا طريق إلى الله إلا ما جاء به محمد ﷺ
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن الإيمان به: الإيمان بأنه الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وحلاله وحرامه، فالحلال: ما أحله الله ورسوله ﷺ، والحرام: ما حرمه الله ورسوله ﷺ، والدين: ما شرعه الله ورسوله ﷺ.
فمن اعتقد أن لأحد من الأولياء طريق إلى الله من غير متابعة محمد ﷺ فهو كافر من أولياء الشيطان].
فالرسول ﷺ بعث مبلغًا عن الله جميع ما أمر الله ﷿ به لجميع الإنس والجن، فليس لأحد أن يخرج عن تحليل وتحريم هذه الشريعة التي جاء بها؛ لأن كثيرًا من أهل الزندقة والنفاق -ممن يعتقدون أن هناك طائفة لهم أن يرتكبوا المنكرات والمحرمات وأن يتركوا الواجبات- يزعم أن لهم طريقًا آخر مع الله ﷿، ويزعم أن هذا الأمر هو للعامة أي: التحليل والتحريم، وأما الخاصة فلا يلزمهم ذلك، وأن هذه العبادات والتحليلات والتحريمات إنما هي لمن لم يصل بعد، وأما من وصل فلا تلزمه والعياذ بالله، فهذا كله من الكفر الناقل عن الملة، وهؤلاء غالبًا يحتجون بقصة موسى والخضر؛ فإن الخضر لم يكن ملزمًا باتباع شريعة موسى ﷺ، وأعلمه الله بأشياء من علوم الغيب، وأن الخضر شرفه الله بوحي مباشر له، أو شريعة بلغها له نبي من الأنبياء في زمنه، فقتل الغلام، وإصلاح الجدار بلا مقابل، وخرق السفينة، لا يمكن أن يبنى عليه مع وجود شريعة الرسول ﷺ في أي حال من الأحوال، بمعنى: أنه لا يجوز لأحد أن يدعي أنه قد علم ما أخفاه الله ﷿ عن غيره من العباد، وبناء على ذلك يجوز له أن يرتكب المحرمات الظاهرة بزعم أنها في الباطن ليست حرامًا، أو أن هناك أسبابًا تجعل هذه المحرمات له حلال، فالرسول ﷺ هو الواسطة بين الله وبين خلقه.
فهذه الفرق القائلة بذلك هي فرق خارجة من الملة؛ لأنهم يقرون أن الله حرم هذا الشيء، وأوجب هذه العبادة، ثم يفترون على الله الكذب، وأنه جعلهم خارجين عن هذا التكليف، ولذا فمن أركان الإيمان: الإيمان بأن الرسول ﷺ هو من يبلغ الأوامر والنواهي لنا عن الله، ويبلغنا الأخبار والوعد والوعيد، فلو أن إنسانًا رأى نفسه خارجًا عن هذا كان كافرًا بالرسول ﷺ.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما خلق الله تعالى للخلق ورزقه إياهم وإجابته لدعائهم وهدايته لقلوبهم ونصرهم على أعدائهم، وغير ذلك من جلب المنافع ودفع المضار فهذا لله وحده يفعله بما يشاء من الأسباب، لا يدخل في مثل هذا واسطة الرسل].
فبعضهم يقولون: إن من الإيمان به الإيمان بأنه الواسطة، أي: أنه ينفع الناس ويضرهم على سبيل الشفاعة، وأنه يدعى من دون الله ويستنصر به على الأعداء، ويطلب منه الإغاثة والمدد، وهذا الكلام شرك بالله، فإن الله هو الذي خلق الخلق وهو الذي يرزقهم ويجيب دعائهم، ويهدي قلوبهم وينصرهم على أعدائهم، وغير ذلك من جلب المنافع ودفع المضار لله وحده لا شريك له، وليس معنى وساطة الرسل الدخول في هذا، بل وساطة الرسل إنما هي في إبلاغ التحليل والتحريم، وفي تبليغ الوعد والوعيد، والأوامر والأخبار، فالأخبار فيما يتعلق بأمور الاعتقاد كأمور الغيب، والأوامر والنواهي في التحليل والتحريم.
1 / 13
كفر من لم يؤمن بجميع ما جاء به محمد ﷺ وإن بلغ الرجل ما بلغ من العلم والزهادة والعبادة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم لو بلغ الرجل في الزهد والعبادة والعلم ما بلغ ولم يؤمن بجميع ما جاء به محمد ﷺ فليس بمؤمن] أي: أنه لا بد أن يؤمن بجميع ما جاء مجملًا، وأن كل ما جاء به الرسول ﷺ فهو حق من عند الله، ولذا فلو اعتقد أن الرسول يقول كلامًا من عنده وفيه بعض حق فهو كافر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى.
: [ولا ولي لله تعالى كالأحبار والرهبان من علماء اليهود والنصارى وعبادهم].
وعبادهم هم الأحبار وهم دون العلماء، والرهبان هم العباد الذين يتعبدون عبادات شديدة جدًا، وربما مكثوا السنين في الفيافي والقفار والخلوات والصوامع لا يفعلون غير ما يظنونه عبادة، ويتخلون عن كل زخرف الدنيا، ومع ذلك ليسوا بمؤمنين ولا أولياء لله ﷿.
قال المؤلف ﵀: [وكذلك المنتسبون إلى العلم والعبادة من المشركين: مشركي العرب والترك والهند وغيرهم ممن كان من حكماء الهند والترك].
أي: أنه كان هناك حكماء يعلمون الناس الحكمة، بزعمهم أن الحكمة ليست الحكمة الشرعية، وعندهم زهد رياضات نفسية لتحرير النفس من سلطان الشهوات، وهذا موروث عن عبادتهم أصلًاَ، وأنه يريد أن يستخدم الطاقات الكاملة من خلال التحكم في الجسم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن له علم أو زهد وعبادة في دينه وليس مؤمنًا بجميع ما جاء به محمد ﷺ فهو كافر، عدو لله، وإن ظن طائفة أنه ولي لله، كما كان حكماء الفرس من المجوس كفارًا مجوسًا] فليست القضية أن يكون الإنسان هو زاهدًا أو متخففًا من الدنيا، بقدر ما يكون متبعًا مطيعا ًللشرع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك حكماء اليونان مثل: أرسطو وأمثاله كانوا مشركين يعبدون الأصنام والكواكب، وكان أرسطو قبل زمن المسيح ﵇ بثلاثمائة سنة، وكان وزيرًا للسكندر بن فيلبس المقدوني، وهو الذي تؤرخ به تواريخ الروم واليونان ويؤرخ به اليهود والنصارى، وليس هذا هو ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في كتابه كما يظن بعض الناس].
فذو القرنين رجل مؤمن موحد، والإسكندر معروف في كل آثاره بأنه عابد أوثان.
قال المؤلف ﵀: [كما يظن بعض الناس أن أرسطو كان وزيرًا لـ ذي القرنين لما رأوا أن ذلك اسمه الاسكندر، وهذا قد يسمى بالاسكندر فظنوا أن هذا ذاك كما يظنه ابن سينا وطائفة معه]، وابن سينا هو رجل معظم جدًا لـ أرسطو، والحقيقة أن الذي في القرآن لم يسم الاسكندر، وإنما في كلمة ذي القرنين.
قال المؤلف ﵀: [وليس الأمر كذلك بل هذا الاسكندر المشرك الذي كان أرسطو وزيره متأخر عن ذلك، ولم يبن هذا السد، ولا وصل إلى بلاد يأجوج ومأجوج.
وهذا الاسكندر الذي كان أرسطو من وزرائه يؤرخ له تاريخ الروم المعروف.
وفي أصناف المشركين من مشركي العرب، ومشركي الهند، والترك واليونان، وغيرهم من له اجتهاد في العلم والزهد والعبادة، ولكن ليس بمتبع للرسل صلى الله عليهم وسلم، ولا مؤمن بما جاءوا به، ولا يصدقوهم بما أخبروا به، ولا يطيعوهم فيما أمروا، فهؤلاء ليسوا بمؤمنين، ولا أولياء لله، وهؤلاء تقترن بهم الشياطين وتتنزل عليهم، فيكاشفون الناس ببعض الأمور، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر، وهم من جنس الكهان والسحرة الذين تتنزل عليهم الشياطين، قال تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ [الشعراء:٢٢١ - ٢٢٣].
وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات، إذا لم يكونوا متبعين للرسل فلابد أن يكذبوا وتكذيبهم شياطينهم، ولابد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور، مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة، ولهذا تنزلت عليهم الشياطين، واقترنت بهم، فصاروا من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن.
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف:٣٦].
وذكر الرحمن هو الذي بعث به رسوله ﷺ، مثل القرآن، فمن لم يؤمن بالقرآن ولم يصدق خبره ولم يعتقد وجوب أمره فقد أعرض عنه فيقيض له الشيطان فيقترن به، قال تعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ [الأنبياء:٥٠].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه:١٢٤ - ١٢٦].
فدل ذلك على أن ذكره هو آياته التي أنزلها، ولهذا لو ذكر الرجل الله ﷾ دائمًا ليلًا ونهارًا مع غاية الزهد، وعبده مجتهدًا في عبادته ولم يكن متبعًا لذكره الذي أنزله وهو القرآن: كان من أولياء الشيطان، ولو طار في الهواء أو مشى على الماء، فإن الشيطان يحمله في الهواء وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
1 / 14
اجتماع الإيمان والنفاق في الشخص الواحد
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن الناس من يكون فيه إيمان وفيه شعبة من نفاق، كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو ﵄ عن النبي ﷺ أنه قال: (أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان، وإذا عاهد غدر).
في الصحيحين أيضًا عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: (الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
فبين ﵌ أن من كان فيه خصلة من هذه الخصال ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها.
وقد ثبت في الصحيحين أنه قال لـ أبي ذر وهو من خيار المؤمنين: (إنك امرؤ فيك جاهلية.
فقال: يا رسول الله! أعلى كبر سني؟ قال: نعم)، وثبت في الصحيح عنه أنه قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة على الموت، والاستسقاء بالنجوم)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
وفي صحيح مسلم: (وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم).
وذكر البخاري عن ابن أبي مليكة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه.
وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ﴾ [آل عمران:١٦٦ - ١٦٧].
فقد جعل هؤلاء إلى الكفر أقرب منهم للإيمان، فعلم أنهم مخلطون، وكفرهم أقوى، وغيرهم يكون مخلطًا وإيمانه يكون أقوى].
فإذا كان الرجل فيه إيمان ونفاق فهذا لا يكون وليًا، بل إن المؤمن الذي يكون وليًا لله هو المؤمن الذي اكتمل إيمانه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا كان أولياء الله هم المؤمنين المتقين فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى، فمن كان أكمل إيمانًا وتقوى كان أكمل ولاية لله، فالناس متفاضلون في ولاية الله ﷿ بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة:١٢٤ - ١٢٥].
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [التوبة:٣٧]،] فالكفر يزيد وينقص.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ﴾ [محمد:١٧].
وقال في المنافقين: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ [البقرة:١٠].
فبين ﷾ أن الشخص الواحد قد يكون فيه قسط من ولاية بحسب إيمانه وتقواه، وقد يكون فيه قسط من عداوة الله بحسب كفره ونفاقه، وقال تعالى: ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر:٣١].
وقال: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح:٤].
1 / 15
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان [٢]
الأولياء قسمان: مقربون وأبرار، كما أن الأنبياء قسمان: عبد رسول، ونبي ملك.
وقد تواترت الأدلة بأن أهل الكبائر من الموحدين إذا دخلوا النار يخرجون منها.
2 / 1
طبقات أولياء الله
2 / 2
طبقات أولياء الله في سورة الواقعة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: [وأولياء الله على طبقتين: سابقون مقربون، وأصحاب يمين مقتصدون، ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول سورة الواقعة وفي آخرها وفي سورة الإنسان والمطففين وفي سورة فاطر] كما قال تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة:٧ - ١١].
وأصحاب الميمنة: هم أصحاب اليمين، كما ذكرهم بعد السابقين مرة أخرى: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة:٢٧].
وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة:٨٨ - ٩١].
وفي سورة المطففين قال الله ﷿: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين:٢٧ - ٢٨].
فالمقربون يشربون من التسنيم خالصًا، ويمزج لأصحاب اليمين.
وقال ﷿: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان:٥ - ٦]، فعباد الله الذين يشربون يشربونها خالصة.
وفي المطففين: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ﴾ [المطففين:٢٧].
في سورة فاطر: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر:٣٢].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنه ﷾ ذكر في الواقعة القيامة الكبرى في أولها، وذكر القيامة الصغرى في آخرها.
يعني: الموت.
فقال في أولها، وذكرهم تفصيلًا، فقال في أولها: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾ [الواقعة:١ - ٦]].
أي: خافضة لأقوام ورافعة لآخرين.
﴿إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا﴾ [الواقعة:٤]، أي: زلزلت.
«وَبُسَّتِ»، أي فتتت الجبال تفتيتًا.
«فَكَانَتْ هَبَاءً»: وهو الغبار الذي يرى في ضوء الشمس.
«مُنْبَثًّا»: متفرقًا.
قال المؤلف ﵀: وقال تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً﴾ [الواقعة:٧] أي: أصنافًا ثلاثة.
﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ﴾ [الواقعة:٨ - ١٣]] أي: جماعة كبيرة كثيرة من الأولين.
قال المؤلف ﵀: [﴿وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقعة:١٤].
فهذا تقسيم الناس إذا قامت القيامة الكبرى التي يجمع الله فيها الأولين والآخرين كما وصف الله سبحانه ذلك في كتابه في غير موضع.
ثم قال تعالى في آخر السورة: «فَلَوْلا» أي: فهلا، «إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ»].
أي: إذا غلبت الروح حلق الإنسان، تشبيهًا بالشيء الذي يتغرغر الإنسان به؛ لأنه يردده في حلقه.
﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ﴾ [الواقعة:٨٣ - ٨٤] أي: وأنتم أصحاب الميت وأقاربه تنظرون إليه ماذا يفعل به، وماذا تستطيعون أن تفعلوا له؟ ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة:٨٥]، قربًا يليق بجلاله وعظمته، قرب علم وإحاطة وقدرة ومراقبة.
قال: ﴿وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ [الواقعة:٨٥ - ٨٦]: هلا إن كنتم غير محاسبين.
﴿تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الواقعة:٨٧]: ترجعون هذه الروح إن كنتم صادقين أنكم لا تحاسبون على ما تفعلون، وذلك أن من أخذت روحه فإنها تؤخذ رغمًا عنه ورغمًا عمن حوله، ومن يحبه فهو لا يملك الأمر، فكيف يجزم أنه لا يحاسب؟ فالروح لم يكن يملكها الإنسان ولا كان يملك الجسد، فإذا كان ذلك كذلك كان هذا دليلًا على أنك لا تملك الحياة وإنما هي ملك لله، فسوف تسأل عما تصرفت فيه من ملك غيرك.
﴿فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [الواقعة:٨٦ - ٨٨]، أي أما إن كان المحتضر من المقربين، ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ [الواقعة:٨٩]: أي: راح، «وَرَيْحَانٌ» أي: الطيب، أو ريحان من الجنة.
«وَجَنَّةُ نَعِيمٍ».
﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة:٩٠ - ٩١] أي: فيقال له: سلام لك أنت من أصحاب اليمين.
﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة:٩٢ - ٩٤].
والنزل: هو ما يعد للضيف فإذا كان هذا نزله كان ما يعد لهم أقبح وأشد، والإنسان إذا توقع خيرًا وإذا به يجد شرًا يكون ذلك أشد عليه مما لو توقع سوءًا وشرًا، والعياذ بالله.
قال تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران:٢١]: والإنسان إذا كان مبشرًا يتوقع أن يجد خيرًا فلو رأى خلافه كانت حسرة عظيمة.
﴿فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ [الواقعة:٩٣]: وهو الماء الحار الذي انتهى في حرارته.
﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة:٩٤]: يصلى في النار ويحرق فيها.
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة:٧٣ - ٧٤].
2 / 3
طبقات أولياء الله في سورة الإنسان
قال المؤلف ﵀: [وقال تعالى في سورة الإنسان: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان:٣ - ٤]].
«إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ» أي: بينا له السبيل، فمنهم شاكر ومنهم كفور، أو «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ» بمعنى: قذف الله ﷿ في قلوبهم إرادة أحد الطريقين، فجعل بعضهم شاكرين، وجعل بعضهم كفارًا، والعياذ بالله.
فالقول الأول: بينا السبيل لكل إنسان وخير بين أن يكفر، وبين أن يشكر.
والقول الثاني: هداية توفيق، وما يقذفه الله ﷿ في قلب العبد، فقد قذف في قلوب المؤمنين إرادة الشكر، ومحبة وطريق الخير، وقذف في قلوب الكفار الكفران والبعد عن طاعة الله.
قال: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان:٤]، السلاسل: ما تقيد به الأيدي والأرجل، والأغلال: ما يوضع في الأعناق، والسعير: النار المشتعلة.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ [الإنسان:٥]، قوله تعالى: «إِنَّ الأَبْرَارَ»: أصحاب اليمين، «يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا» تمزج من الكافور، «عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ»، أي: عينًا يشرب بها المقربون، «يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا»: في كل موطن يريدون أن تتفجر منه أنهار الأرض هذا الماء من هذا الشراب العذب الذي يمنع لغيرهم منه، فهم في كل موضع يريدون أن تتفجر ولا يحتاجون إلى الذهاب إلى أماكن معينة لشرب الماء، بل هو حاضر في كل موضع بإرادتهم، إذا فجروه في أي موضع تفجر.
قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان:٧]، أي: كان شره منتشرًا.
وقوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان:٨]، أي: رغم أنهم يحبون ويحتاجون إلا أنهم يطعمون الطعام رغم حبهم له «مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا»، ويقولون في أنفسهم: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان:٩ - ١٠] أي: شديدًا.
﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان:١١ - ١٢] الآيات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وكذلك ذكر في سورة المطففين فقال: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾ [المطففين:٧] أي: سجن، كلما ثقل ضاق ولم يطق.
إلى أن قال: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين:١٨ - ٢٠]، بدل من كتاب، ليس بدلًا من عليين، ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين:١٨]، هو كتاب مرقوم أي: رقم، كتب فيه ما أمر الله ﷿، ﴿يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين:٢١]، فهم يشهدون ما في هذا الكتاب العارف بأعمالهم.
﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين:٢٢ - ٢٨].
وعن ابن عباس ﵄ وغيره من السلف قالوا: يمزج لأصحاب اليمين مزجًا ويشرب بها المقربون صرفًا، وهو كما قالوا، فإنه تعالى قال: «يَشْرَبُ بِهَا»، ولم يقل: يشرب منها؛ لأنه ضمن قوله: يشرب معنى يروى، تقول: ضمنت فعل ما، ما هنا: فعل آخر، ولذلك عداه بآلته، فكلمة يروى: يشرب بها، فكلمة يشرب: ليس معناها: يشربها ويشرب منها، لكن يشرب بها؛ لأنه ضمنها معنى الارتواء، فإن الشارب قد يشرب ولا يروى، فإذا قيل: يشربون منها لم يدل على الري، وإذا قيل: يشربون بها كان المعنى: يروون بها، فالمقربون يروون بها فلا يحتاجون معها إلى ما دونها، فلهذا يشربون منها صرفًا، بخلاف أصحاب اليمين، فإنها مزجت لهم مزجًا، وهو كما قال تعالى في سورة الإنسان: ﴿كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان:٥ - ٦]، فعباد الله هم: المقربون المذكورون في تلك السورة؛ وهذا لأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر، كما قال النبي ﷺ: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) رواه مسلم في الصحيح، وقال ﷺ: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
قال الترمذي: حديث صحيح.
وفي الحديث الآخر الصحيح الذي في السنن عن النبي ﷺ: (يقول الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته) -أي: قطعته- وقال: (ومن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله) ومثل هذا كثير.
2 / 4
عمل المقربين وأصحاب اليمين
وأولياء الله تعالى على نوعين: مقربون وأصحاب يمين كما تقدم، وقد ذكر النبي ﷺ عمل القسمين في حديث الأولياء، فقال: (يقول الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها).
فالأبرار أصحاب اليمين: هم المتقربون إليه بالفرائض، يفعلون ما أوجب الله عليهم، ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا يكلفون أنفسهم في المندوبات، ولا الكف عن فضول المباحات، وأما السابقون المقربون: فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، ففعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبَّهم الله حبًا تامًا كما قال الله تعالى: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) يعني: الحب المطلق أي: الكامل، الحب الذي أعلنه بين ملائكته وصار محبوبًا من كل وجه، فكذلك كان محبوبًا منه تقواه، ومحبوبًا منه إحسانه، فالله يحب المحسنين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، فهذا مطلق الحب وأما: (حتى أحبه)، فهو الحب الكامل المطلق.
قوله: (كقوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:٦ - ٧] أي: أنعم عليهم الإنعام المطلق التام، وإذا رزق الله كل خلقه، فقد أنعم عليهم.
قوله: «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» أي: الإنعام المطلق التام المذكور في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء:٦٩] فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات، يتقربون بها إلى الله ﷿، فكانت أعمالهم كلها عبادات لله، فشربوا صرفًا كما عملوا صرفًا).
والجزاء من جنس العمل، وهو أنهم لما عملوا لله فقط صرفًا شربوا منها صرفًا، أما في أعمالهم المباحة فقد اتبعوا الذين جعلوا المباحات طاعات، حتى السمع والبصر والملابس والمشي، كل ذلك كان لله، فلما عملوه لله صرفًا صار جزاءهم، أي: أنهم يأخذون الجزاء صرفًا، والمحتجزون بسبب أعمالهم عفا عنهم ليفوزوا برضاء الله، كما يستحضرون النية فيها.
والمقتصدون: كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم، فلا يعاقبون ولا يثابون عليه، فلم يشربوا صرفًا، بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا).
2 / 5