Compilation of the Quran - An Analytical Study of its Narrations
جمع القرآن - دراسة تحليلية لمروياته
ناشر
دار الكتب العلمية
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م
محل انتشار
بيروت
ژانرها
[تقرير عن الكتاب]
(أعده/ عبد الله الحربي، عضو ملتقى أهل التفسير) (*)
جمع القرآن: دراسة تحليلية لمروياته
للدكتور أكرم عبد خليفة الدليمي
طبعة دار الكتب العلمية، ببيروت، ويقع في ٣٤٢ صفحة، وهو عبارة عن أطروحة علمية، قدمها الباحث لكلية العلوم الإسلامية، ولم يحدد المرحلة التي نال شهادتها بهذا البحث. وقد قسم الباحث هذا البحث إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
الفصل الأول: كتابة القرآن في عهد الرسول ﷺ
بدأه بـ تمهيد عرف فيه عنوان الرسالة، المكون من كلمتي: الجمع والقرآن. بدأ بتعريف القرآن لغة، ثم ذكر الخلاف في اشتقاقه وعدمه؟ وهمزه وعدمه؟ ورجح أنه مهموز، ومشتق من قرأ بمعنى تلا. واختار تعريفه اصطلاحا بأنه: الكلام المعجز المنزل على النبي ﷺ، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس.
ثم عرف الجمع لغة: بأنه جمع الشئ عن تفرقة. وأما اصطلاحا فيطلق تارة: ويراد منه حفظه واستظهاره في الصدور. ويطلق ويراد منه: كتابته كله.
ـ[ولي على هذا التمهيد ملحظان:]ـ
١ - كان ينبغي أن يكون متقدما على الفصل الأول، لأنه تمهيد للرسالة كلها، وليس خاصا بهذا الفصل.
٢ - تعريف الجمع هو في الحقيقة تعداد لأنواعه، فينبغي إعادة صياغته بشكل علمي ليكون جامعا مانعا.
_________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: أضفناه هنا للفائدة
ثم أتبع الباحث هذا التمهيد بذكر ثلاثة مباحث تحت هذا الفصل: المبحث الأول: جمعه في الصدور وفيه مطلبان: **المطلب الأول: كيفية تلقي الرسول ﷺ القرآن الكريم. وذكر فيه معنى الوحي لغة وشرعا، قال "وزبدة القول: أن الوحي شرعا: إلقاء الله الكلام أو المعنى في نفس الرسول أو النبي بخفاء وسرعة بملك أو بدون ملك". ثم ذكر الكيفيات التي كان ينزل بها الوحي على النبي ﷺ، وما كان يعانيه في بعضها من شدة وكرب، وتعجله في بادئ الأمر لحفظه ثم طمأنته بجمعه في صدره. **المطلب الثاني: كيفية تلقي الصحابة ﵃ القرآن وحفظه: بين فيه حرصهم على حفظه، وتسابقهم إلى مدارسته وتفهمه، وتبليغه لأبنائهم وأهليهم، ثم ذكر جملة ممن حفظوه من كبار الصحابة. ـ[ولي على هذا المبحث ملاحظات:]ـ ١ - تعريف الوحي بأنه: إلقاء الكلام أو المعنى في نفس الرسول. هو ما يسمى: بالكلام النفساني وهي نزعة أشعرية لإنكار تكلم الله به حقيقة. وقد يعتذر للباحث فيه بأنه ناقل له عن غيره، لو لم يختر التعريف ويرتضيه. ٢ - في صفحة ٢٨ السطر٣ يقول "فقد ورد أن جبريل كان يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا" وفي صفحة ٣٦ السطر ٨ "وكان النبي ﷺ هو الذي يقرر ترتيب الآيات فيقول: ضعوا الآية كذا في موضع كذا" وخرجها في الحاشية من موضع واحد، وهو مسند أحمد، والنقل الأول غير دقيق ولاشك. ٣ - قوله في صفحة ٢٨ "وهناك روايات متنوعة صحيحة كثيرة، تدل دلالة قاطعة، على أن الرسول ﷺ وصحابته الكرام كانوا يقرؤون القرآن الكريم على هذا الترتيب نفسه، الذي يبدأ بسورة الفاتحة، وينتهي بسورة الناس" أقول: في قوله " هناك روايات متنوعة صحيحة كثيرة، تدل دلالة قاطعة" مبالغة كبيرة، بل قد ثبت أيضا أنه قدم النساء على آل عمران في صلاته، ثم إن الترتيب في القراءة مسألة أخرى، تختلف عن الترتيب في المصحف عند التحقيق والله أعلم.
المبحث الثاني: جمعه في السطور. وذكر فيه ثلاثة مطالب: **المطلب الأول: أدوات الكتابة. وقد بين فيه مدى المشقة التي كان يتحملها الصحابة ﵃ في كتابة القرآن، فكانوا يكتبون على العسب واللخاف والرقاع والكرانيف وعظام الأكتاف والأضلاع والأقتاب. وجزم الباحث بأن المواد اللينة كانت من ضمن ما كتب عليه كالورق والجلد بل والحرير أيضا. ـ[ولي على هذا المطلب ملاحظة:]ـ وهي أن كتابة القرآن على الحرير لم يذكر لها دليلا وإثباتها في الحقيقة يفتقر إلى دليل.
**المطلب الثاني: كتاب القرآن من الصحابة. ويسمون كتاب الوحي، وقد ذكر الباحث تفاوت المصادر في تحديد كتاب النبي ﷺ، فالطبري ذكر عشرة، وهكذا يتدرج العدد، حتى يصل إلى ٤٢ كما ذكر الكتاني عن العراقي. وفي الحقيقة لم يكن الجميع كتاب للوحي، بل منهم من يكتب الوحي، ومنهم من يكتب أموال الصدقات، وآخرون لرسائل الملوك وهكذا، وقد ترجم الباحث لثلاث وعشرين كاتبا من كتاب النبي ﷺ، تراجم مختصرة، على حسب ترتيب حروف المعجم. ـ[ولي على هذا المطلب ملاحظة:]ـ فلا أدري على أي أساس أختار الثلاثة والعشرين الذين ترجم لهم، دون غيرهم؟ خصوصا أنه بين في التراجم، أن بعضهم لم يكونوا يكتبون الوحي، بل يكتبون غيره، ورجح أيضا الباحث في صفحة ٤٢ أن كتاب الوحي أربعة وإذا غابوا خلفهم خمسة، والذي يظهر لي أن كتاب الوحي لا يتجاوزون العشرة كما ذكر ذلك الطبري، فكان من الأولى أن يكتفي بهم.
**المطلب الثالث: خط المصاحف. تحدث فيه عن أصل الخط العربي؟ ومتى نشأ؟ وكيف وصل إلى الجزيرة قبل الإسلام؟ في ضوء مرويات نقلها عن ابن أبي داود في كتاب المصاحف. ثم تكلم عن وصف خط المصحف، وأنه كان مجردا من الإعجام والحركات أو أي إضافات أخرى. ثم تطرق لمسألة: حكم التمسك بالرسم العثماني؟ وذكر اختلاف العلماء فيه على ثلاثة أقوال: منهم من تشدد فجعله توقيفيا، بل ومعجزة قرآنية متحدى بها. ومنهم من تساهل فأجاز كتابته بالرسم الإملائي، لأنه الرسم اصطلاحي، بل أوجبه على عوام الناس، لئلا يوقع في تغيير الجهال لكتاب الله. وهناك من توسط فقال: إن الرسم اصطلاحي، لكن يجب التزامه، ولا تجوز مخالفته، لأن إجماع الصحابة قد انعقد على ذلك وهذا ما رجحه الباحث. المبحث الثالث: الأحاديث المروية في العهد النبوي لكتابة القرآن: بدأ الباحث هذا المبحث بتوطئة، ركز فيها على أهمية دراسة المرويات، لمعرفة ما يصح منها وما لا يصح، وبين منهجه في دراسة الأسانيد، وأنها دراسة نقدية، وقد وعد بالتوسع في دراستها، وبيان حال رجالها. إضافة إلى تحليل المتن، متى ما احتاج إلى ذلك. ثم سرد أحد عشر حديثا: منها ستة صحيحة، واثنان حكم عليهما بالحسن، وثلاثة ضعفها. ـ[ولي مع هذا المبحث وقفات:]ـ ١ - لم نجد في دراسة الأسانيد ذاك التوسع الذي وعد به، وما نجده هو دراسة مختصرة جدا لظواهر الأسانيد، إضافة إلى عدم التوسع في جمع الطرق والروايات. ٢ - يبدأ الحديث في الغالب بقوله:حدثنا أو حدثني. وكأن الباحث هو الذي يرويه. وكان الأولى أن يقول مثلا: قال البخاري:حدثنا. ولم يخالف ذلك، إلا في الحديث السابع فقال "قال الديرعاقولي في فوائده: حدثنا" وفي الحادي عشر "قال الإمام النسائي: أخبرنا قتيبة". ٣ - لم يوفق في الحكم على إسناد الحديث الحادي عشر من وجهة نظري، فقد ترجم لرواته ثم قال "رجالها ثقات سوى يحيى بن حكيم فقد وثقه ابن حبان وقبله ابن حجر، فالحديث إسناده ضعيف" فتضعيفه غير منطقي، لأن ما ذكره لا يسوغ تضعيفه، علما بأن الحديث صححه ابن حبان والألباني.
الفصل الثاني: جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق. وفيه مبحثان: المبحث الأول: بيان كيفية الجمع ونتائجه. وقد عقد الباحث فيه ثلاثة مطالب: **المطلب الأول: فكرة الجمع وسببه. وهو ما حصل من مقتل القراء في حروب الردة، وكان بمشورة الفاروق ﵁، وهذا الجمع مغاير للجمع الذي حصل في عهد النبي ﷺ، بدليل تردد أبوبكر وزيد فيه، وقولهما:"كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله". **المطلب الثاني: لجنة جمع القرآن. ذكر أن الذي تولى هذا الجمع هو زيد بن ثابت رصي الله عنه، للخصال التي تميز بها وهي: ١ - كونه شابا، ليكون أنشط وأقوى فيه، وقد شبه نقل جبل من مكانه، بأنه أسهل عليه مما كلف به. ٢ - عاقلا، فيكون أوعى له. ٣ - لايتهم، فتركن النفس إليه. ٤ - كان يكتب الوحي على عهد الرسول ﷺ، فلديه الخبرة والممارسة الكافية لهذا العمل. ولعظم المهمة، فالباحث يعتقد أن بعض الصحابة قد وقف إلى جانب زيد في انجازها، خصوصا عمر ﵁ كما جاء في بعض الروايات. واستغرقت المهمة ما يقارب السنة، من بعد اليمامة إلى قبيل وفاة أبي بكر ﵁ حيث أودع عنده. ثُمَّ عدد الباحث ما امتاز به هذا الجمع من مميزات: من أهمها أن القرآن جمع في مصحف واحد، مرتب الآيات، قد حوى الأحرف السبعة التي نزل القرآن بها، وظفر بإجماع الأمة عليه. ـ[ولي تعليق على المدة التي جمع بها:]ـ فقد تمت في الفترة مابين حروب الردة في الأشهر الأخيرة من سنة١١هـ ووفاة الصديق في جمادى الآخرة سنة١٣هـ وهي فترة تمتد إلى سنة وأكثر من ستة أشهر ولا نستطيع الجزم بأحد هذين الأمرين دون الآخر: أنها استغرقت المدة كاملة أو استغرقت جزءا منها، لعدم وجود روايات تحدد ذلك ومتى ثبت شيء من ذلك كان المصير إليه، وما نستطيع الجزم به أنها لا تتجاوز السنة والنصف والله أعلم.
المبحث الثاني: روايات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق ﵁. أورد الباحث فيه سبع روايات منها: واحدة صحيحة، وأخرى حسنة، والباقية ضعيفة. ثم ذكر الروايات التي تشير إلى أن عمر وعلي ﵄ هما اللذان جمعا القرآن، وهي خمس روايات منها: اثنتان حكم على إسنادهما بالحسن وعلى متنهما بالنكارة، والبقية لا تصح أسانيدها. ثم أورد رواية منقطعة ضعيفة على أن الذي جمع القرآن هو سالم مولى حذيفة ﵁. ولو حكمنا بفرض صحة المرويات هذه، فهي محمولة على أن الذي أشار بالجمع هو عمر، لا أنه هو الذي نفذه. وما جاء عن علي فيحمل على أن المراد بجمعه:حفظه أو أنه ممن ساعد زيدا فيه، وأما سالم فقد ثبت أنه ممن قتل في حروب الردة، والجمع حصل بعده. وفي الجملة: فيحتمل أنهم جمعوا بعضه في صحف خاصة بهم، كما كان عليه أكثر الصحابة، لكنها لم تظفر بالتحري والتدقيق والإجماع الذي حصل في جمع أبي بكر ﵁. الفصل الثالث: جمع القرآن في عهد عثمانوفيه مبحثان: المبحث الأول: دوافع توحيد المصاحف ونسخها. وتحته خمسة مطالب: **المطلب الأول: كثرة الأسباب والدوافع. بين فيه الباحث أن من الأسباب التي حملت على جمع القرآن، اختلاف الناس في القراءة، حتى وصل الأمر أن كفر بعضهم بعضا، وقال:قراءتي خير من قراءتك. بالإضافة إلى جهل الجمهور الجديد، بنزول القرآن على سبعة أحرف، مما حمل حذيفة ﵁، على نقل ذلك الواقع المرير الذي شاهد جزءا منه، بين أهل العراق والشام، وهم على أطراف الجمهوريات الإسلامية يغازون في سبيل الله سنة ست وثلاثين، إلى أمير المؤمنين لتدارك هذه الظاهرة. **المطلب الثاني: ثمرة العمل واللجنة القائمة به. بين الكاتب فيه أن الجمع في عهد عثمان ﵁ اعتمد أساسا على جمع أبي بكر، بل رشح لتولي رئاسة المهمة، جامعه السابق زيد بن ثابت، ومعاونة أربعة نفر هم: ابن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث ﵃، ورسم الخليفة الراشد لهم منهج الجمع الذي يسيرون عليه، وأمرهم إذا اختلفوا في كتابة شيء، أن يكتبوه بلغة قريش، لأن القرآن نزل بلغتهم، وأشرف عليهم بشكل مباشر فيما يقومون به، وكانوا إذا تدارأوا في شيء أخروه، ورجعوا فيه إليه. وأمدهم بأعضاء - غير متفرغين - لمساعدتهم، أوصلهم ابن سيرين إلى اثني عشر رجلا. ثم بين الباحثين عدم اشتراك ابن مسعود فيها، وذلك لكونه كان بعيدا في الكوفة، ولأنه لم يكن من كتبة الوحي عند النبي ﷺ، وليس ممن جمعه في عهد أبي بكر، إضافة إلى خبرة زيد بن ثابت في هذا المجال، فهو إمام في الرسم، وابن مسعود إمام في الأداء ويكفي دليلا على ذلك أنه أخذ ٧٠ سورة من في رسول الله ﵇. ـ[ولي على هذا المطلب ملاحظة:]ـ وهي ما تكلف به الباحث، من الاستنباطات التي استنبطها من أسماء العشرة، اللذين رجح مشاركتهم في الجمع، وأنه روعي فيهم أن يكون النصف من قريش، وأربعة من الأنصار، وواحد من اليمن، ليكون التمثيل شاملا لقريش وللأنصار واليمن. وروعي فيه أن يكونوا من العرب الخلص، وواحد فقط من الموالي، ليتواجد فيه العرب، مع تمثيل للموالي. هذا الاستنباط لا أوافقه عليه أبدا، فالذي روعي في الاختيار هو الكفاءة وحدها، لا التمثيل الجغرافي أو العرقي. وإلا فبلاد الإسلام حين ذاك لا تكاد تغيب عنها الشمس، وفيها من العرقيات العدد الكبير، فلم لم يؤخذ من كل مصر؟ ومن كل عرق؟ فهذه الفروق قد تساموا عنها فلم يعبأوا لها أو يحفلوا بها. وليس من هذا أبدا تقديم الخليفة الراشد عثمان للغة قريش على غيرها حين الاختلاف، بل ذلك تقديم مبرر بينه ﵁ وهو كون القرآن نزل بلغتهم لا لشيء آخر.
**المطلب الثالث: عدد المصاحف التي تم نسخها. ذكر الباحث الخلاف في عدد المصاحف التي تم نسخها، ورجح أنها سبعة؛ ستة منها وزعت على الآفاق، واحتفظ أمير المؤمنين بواحد منها عنده، وتم إحراق ما سواها. ثم عرج الكاتب إلى الفروق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان ﵄ من حيث الدوافع أو النتائج. **المطلب الرابع: أقوال العلماء في معنى الأحرف السبعة ومناقشتها. وقد نقل فيه الكاتب قول ابن حبان:"أن العلماء اختلفوا فيها على ٣٥ قولا" وذكر السبب في ذلك وهو: أن روايات الحديث جاءت مجملة، لا تكشف صراحة عن حقيقة المراد. ثم أورد الباحث أربعة أراء في المراد بها، ورجح أنها سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد نحو:أقبل وتعال وهلم .. وأوضح أن المصحف العثماني ليس فيه إلا حرف واحد منها، واستدل بما أورده ابن جرير الطبري بقوله:" فلا قراءة للمسلمين اليوم إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية". **المطلب الخامس: ترتيب السور والآيات وعددها. تطرق فيه المؤلف إلى تعريف السورة. لغة واصطلاحا، وعدد سور القرآن الكريم، والخلاف في التوبة والأنفال؛ هل هما سورة واحدة أم سورتان؟ ورجح أنهما سورتان بإجماع من يعتد به. ثم تكلم على تقسيم سور القرآن بحسب الطول والقصر إلى: طوال ومئين ومثاني ومفصل. وبين كل قسم، وما يشتمل عليه من سور. ثم تكلم عن تعريف الآية، وعن الطريق إلى معرفتها وهو التوقيف، فلا مجال للقياس أو الاجتهاد فيها. ثم عرض الأقوال في تعداد آي المصحف، وسبب الاختلاف فيها، وهو أن النبي ﵇ كان يقف على رؤوس الآي تعليما لأصحابه، ثم يصلها حينا آخر مراعاة لتمام المعنى. وذكر الباحث الإجماع على أن ترتيب الآيات توقيفي، أما السور فرجح التوقيف أيضا مع الخلاف المشهور في ذلك. المبحث الثاني: روايات جمع القرآن في عهد عثمان. ذكر الباحث فيه أربعة عشر رواية منها: ستة صحيحة، واثنتان حسنتان، والستة الباقية ضعيفة. ـ[ولدي ملاحظة:]ـ حول الرواية الثانية، التي أوردها من صحيح البخاري عن زيد ﵁ قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف ... الحديث. فقد أوردها في الرواية الخامسة، من الفصل الأول في جمع أبي بكر الصديق، ولا أدري لم أعادها هنا! مع أنه لم يذكر شيئا جديدا فيها، وما علقه على هذه الرواية، بأنه لم يكن مصحف إلا في عهد عثمان ﵁. فغير صحيح إطلاقا. والرواية التي أوردها ترد عليه.
الفصل الرابع: شبهات حول القرآن. وفيه مبحثان: المبحث الأول: شبهات المستشرقين. أوردها في ٢٧ صفحة تعرض فيها لعشر شبه، قسمها على ثلاث مطالب، وأجاب عنها: **المطلب الأول: حول جمع القرآن في عهد النبي ﷺ. أورد فيه أربع شبه: ١ - أن في طريقة كتابة المصحف ما يدل على أنه قد سقط منه شيء لم يكتب. بدليل ما ورد في الصحيحين من رواية: "رحم الله فلانا لقد أذكرني كذا وكذا آية، من سورة كذا " وفي رواية "أسقطتهن". والجواب عنها: أن الرسول ﵇ قد حفظها قبل أن يحفظها ذلك الرجل، واستكتبها كتاب الوحي، وبلغها للناس. وجمهور المحققين كما ذكر ابن حجر على جواز النسيان عليه فيما طريقة التبليغ. لكن بشرطين: أنه بعدما يقع منه تبليغه. والآخر: أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكره إما بنفسه أو بغيره. ٢ - أن القرآن في عهد النبي ﷺ لم يكتب كاملا. بدليل ما جاء عن زيد "قبض رسول الله ولم يجمع القرآن في شيء". والجواب عنها: أن المراد لم يجمع في مصحف واحد، لما كان ينتظره ﵇ من الوحي، ومن النسخ، أما كتابته فشيء آخر، تم على أكمل وجه. ٣ - أن الكتابة لم تبدأ إلا في المدينة. وعليه فما نزل بمكة لم يحفظ. والجواب عنها: أنها دعوى عارية عن الدليل، بل هي مجرد تكهن وتخمين، وما أسلام عمر إلا بسبب قراءته رقعة كتب عليها سورة طه. ٤ - اضطراب وعدم ثبات النص القرآني. والجواب عنها: أنهم يعنون القراءات المتواترة، المقطوع بصحة نسبتها إلى رسول الله ﵇. وقد تم شرح المراد بالأحرف السبعة فلا داعي لإعادته. ثم إن المنصفين منهم أدركوا هذه الحقيقة وعرفوها فلم يكابروا، فهذا موريس بوكاي يقول:"صحة القرآن التي لا تقبل الجدل، تعطي النص مكانة خاصة بين كتب التنزيل، ولا يشترك مع نص القرآن في هذه الصحة، لا العهد الجديد ولا العهد القديم". **المطلب الثاني: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد أبي بكر. وقد أورد المؤلف فيه شبهتان: ١ - أن نصوص الوحي لم تفرز بشكل نهائي في عهد النبي ﵇ ولم تحفظ. والجواب: أنها فرية كبرى، وهي محض اختلاق وافتراء وكذب. لا تعتمد على منهج علمي متجرد، بل صادرة عن هوى وتحامل، فلا يلتفت إليها. ٢ - أن هدف الجمع كان مجرد رغبة شخصية من أبي بكر ثم عمر ﵄، بتملك نسخة من المصحف، حتى لا يكونوا أقل حالا من غيرهم. بدليل انتقاله لحفصة ﵂ على أنها ذمة مالية شخصية. والجواب عنها: أن الهدف النهائي من هذه الشبهة، هو إضفاء الشخصية والفردية على هذا الجمع، ليفتقد القرآن صفة التواتر المطلوبة. لكن أنى لهم ذلك! فالمصادر تشير إلى حفظ العمرين لكتاب الله تعالى عن ظهر قلب، وتلك لعمري منقبة أعظم. فما القيمة لنسخة من القرآن، عند رجلين جمعاه حفظا على عهد رسول الله ﷺ؟ ثم كيف ينتقل من أبي بكر إلى عمر وهو لا يرثه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم. **المطلب الثالث: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد عثمان. وقد أورد فيه أربع شبه تقريبا: ١ - أنه لا يتضمن الوحي وحده، بل فيه من الإضافات التفسيرية والتذييلات قدرا لا بأس به. ٢ - أنه فرض على المسلمين بالقوة، وقد جابهوه بالمقاومة. ٣ - أن مصاحف الصحابة كانت تختلف معه، فلم يعتمد فيه عليها. والجواب: أنها افتراءات يتمحلها المستشرقين، محاولة منهم للتشكيك في القرآن الكريم. وأما الشبهة الأخيرة. فالجواب عنها: أن تلك المصاحف التي يقصدون، هي مصاحف شخصية لبعض الصحابة. ربما كتبوا فيها بعض التفسير. وفيها ما تلقوه ولم يعلموا بنسخه في العرضة الأخيرة. بدليل أن القراء الذين تلقوا قراءاتهم على أصحاب تلك المصاحف، لم ينقلوا عنهم قراءة تخالف ما يحتمله رسم المصحف الإمام الذي كتب في عهد عثمان، وحظي بإجماع الصحابة جميعا. المبحث الثاني: دراسة روايات في كتب أهل السنة يساء فهمها في صحة نقل القرآن. أورد فيه الباحث اثنا عشر حديثا وأثرا، منها نسخ آية الرجم، ونسخ عشر رضعات، وسورتي الخلع والحفد، وغيرها مما نسخت تلاوته، واستغله بعض الرافضة كالخوئي للطعن في القرآن، والقول بأن الصحابة كان يحذفون منه ما يريدون ويتركون ما يحبون. والجواب: أن نسخ التلاوة جائز عقلا، وواقع شرعا، بالأدلة الصريحة من كتاب الله تعالى، بل إن كبار علماء الشيعة اعترفوا بهذا النسخ، واستدلوا بهذه الآيات على أنها مما نسخت تلاوته، كأبي محمد الطوسي شيخ الطائفة والكليني في الكافي والمجلسي والطبرسي في تفسيره وغيرهم. والله أعلم. ـ[وأخيرا فلي ملاحظات عامة على البحث:]ـ الأولى: أن هذا البحث هو ممسك من علمين بطرف، هما: علوم القرآن والحديث. لكنه أقرب إلى الحديث ودراسة الأسانيد منه إلى علوم القرآن. وقد جاءت دراسة أسانيده والحكم عليها وتخريجها مختصرة جدا. وهذا يلحظه المتتبع لتلك المرويات، ولا يزال الميدان رحبا لمن يريد الخوض فيه. الثانية: ذكر الباحث ثلاث مراحل مر بها جمع القران وقد تابع فيها كثيرا ممن سبقه. وأرى - حسب وجهة نظري - أن هناك مرحلتان متقدمتان عليهما في الجمع لابد من ذكرهما لم يتعرض لهما ويمكن أن نستدل بهاتين المرحلتين على أن فيهما إشارة إلى مشروعية وأهمية الجمعين معا (الصدور والسطور): الأولى: حين نزل مجموعا إلى بيت العزة في السماء الدنيا كما صح ذلك عن ابن عباس ﵁. ولهذا الجمع فوائد منها: بيان أفضلية القرآن فهو يشترك مع الكتب السابقة في نزوله جملة واحدة ولا تفضل عليه فيها، ثم هو يتميز عنها بنزوله بعد ذلك منجما، فكان له النزولان جميعا. الثانية: جمعه في صدر النبي ﵇. وهي مرحلة سابقة لكتابة النبي ﵊ وحفظ الصحابة له، وقد دل على هذا الجمع قوله تعالى: "إن علينا جمعه وقرآنه" فهو جمع من الله تعالى له في صدر نبيه ﵇ منة من الله وفضلا بدون تعب من النبي ﵇ أو بذل جهد لحفظه، وتلك خاصية اختص بها دون سائر الأمة. وهاتان المرحلتان ليس للبشر فيهما يد. ثم جاءت المرحلة الثالثة بعد ذلك وهي جمعه ﵇ له في الصحف كتابة. الثالثة: بذل الباحث وفقه الله جهد مشكورا وطرق موضوعا رائعا جديرا بالبحث حاول أعداء الدين التسلل من خلاله للنيل من دستور المسلمين ومحاولة التشكيك فيه وقد وفق في عرض شبههم والجواب عنها بأجوبة قريبة يستوعبها كل من يطلع عليها. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،
ثم أتبع الباحث هذا التمهيد بذكر ثلاثة مباحث تحت هذا الفصل: المبحث الأول: جمعه في الصدور وفيه مطلبان: **المطلب الأول: كيفية تلقي الرسول ﷺ القرآن الكريم. وذكر فيه معنى الوحي لغة وشرعا، قال "وزبدة القول: أن الوحي شرعا: إلقاء الله الكلام أو المعنى في نفس الرسول أو النبي بخفاء وسرعة بملك أو بدون ملك". ثم ذكر الكيفيات التي كان ينزل بها الوحي على النبي ﷺ، وما كان يعانيه في بعضها من شدة وكرب، وتعجله في بادئ الأمر لحفظه ثم طمأنته بجمعه في صدره. **المطلب الثاني: كيفية تلقي الصحابة ﵃ القرآن وحفظه: بين فيه حرصهم على حفظه، وتسابقهم إلى مدارسته وتفهمه، وتبليغه لأبنائهم وأهليهم، ثم ذكر جملة ممن حفظوه من كبار الصحابة. ـ[ولي على هذا المبحث ملاحظات:]ـ ١ - تعريف الوحي بأنه: إلقاء الكلام أو المعنى في نفس الرسول. هو ما يسمى: بالكلام النفساني وهي نزعة أشعرية لإنكار تكلم الله به حقيقة. وقد يعتذر للباحث فيه بأنه ناقل له عن غيره، لو لم يختر التعريف ويرتضيه. ٢ - في صفحة ٢٨ السطر٣ يقول "فقد ورد أن جبريل كان يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا" وفي صفحة ٣٦ السطر ٨ "وكان النبي ﷺ هو الذي يقرر ترتيب الآيات فيقول: ضعوا الآية كذا في موضع كذا" وخرجها في الحاشية من موضع واحد، وهو مسند أحمد، والنقل الأول غير دقيق ولاشك. ٣ - قوله في صفحة ٢٨ "وهناك روايات متنوعة صحيحة كثيرة، تدل دلالة قاطعة، على أن الرسول ﷺ وصحابته الكرام كانوا يقرؤون القرآن الكريم على هذا الترتيب نفسه، الذي يبدأ بسورة الفاتحة، وينتهي بسورة الناس" أقول: في قوله " هناك روايات متنوعة صحيحة كثيرة، تدل دلالة قاطعة" مبالغة كبيرة، بل قد ثبت أيضا أنه قدم النساء على آل عمران في صلاته، ثم إن الترتيب في القراءة مسألة أخرى، تختلف عن الترتيب في المصحف عند التحقيق والله أعلم.
المبحث الثاني: جمعه في السطور. وذكر فيه ثلاثة مطالب: **المطلب الأول: أدوات الكتابة. وقد بين فيه مدى المشقة التي كان يتحملها الصحابة ﵃ في كتابة القرآن، فكانوا يكتبون على العسب واللخاف والرقاع والكرانيف وعظام الأكتاف والأضلاع والأقتاب. وجزم الباحث بأن المواد اللينة كانت من ضمن ما كتب عليه كالورق والجلد بل والحرير أيضا. ـ[ولي على هذا المطلب ملاحظة:]ـ وهي أن كتابة القرآن على الحرير لم يذكر لها دليلا وإثباتها في الحقيقة يفتقر إلى دليل.
**المطلب الثاني: كتاب القرآن من الصحابة. ويسمون كتاب الوحي، وقد ذكر الباحث تفاوت المصادر في تحديد كتاب النبي ﷺ، فالطبري ذكر عشرة، وهكذا يتدرج العدد، حتى يصل إلى ٤٢ كما ذكر الكتاني عن العراقي. وفي الحقيقة لم يكن الجميع كتاب للوحي، بل منهم من يكتب الوحي، ومنهم من يكتب أموال الصدقات، وآخرون لرسائل الملوك وهكذا، وقد ترجم الباحث لثلاث وعشرين كاتبا من كتاب النبي ﷺ، تراجم مختصرة، على حسب ترتيب حروف المعجم. ـ[ولي على هذا المطلب ملاحظة:]ـ فلا أدري على أي أساس أختار الثلاثة والعشرين الذين ترجم لهم، دون غيرهم؟ خصوصا أنه بين في التراجم، أن بعضهم لم يكونوا يكتبون الوحي، بل يكتبون غيره، ورجح أيضا الباحث في صفحة ٤٢ أن كتاب الوحي أربعة وإذا غابوا خلفهم خمسة، والذي يظهر لي أن كتاب الوحي لا يتجاوزون العشرة كما ذكر ذلك الطبري، فكان من الأولى أن يكتفي بهم.
**المطلب الثالث: خط المصاحف. تحدث فيه عن أصل الخط العربي؟ ومتى نشأ؟ وكيف وصل إلى الجزيرة قبل الإسلام؟ في ضوء مرويات نقلها عن ابن أبي داود في كتاب المصاحف. ثم تكلم عن وصف خط المصحف، وأنه كان مجردا من الإعجام والحركات أو أي إضافات أخرى. ثم تطرق لمسألة: حكم التمسك بالرسم العثماني؟ وذكر اختلاف العلماء فيه على ثلاثة أقوال: منهم من تشدد فجعله توقيفيا، بل ومعجزة قرآنية متحدى بها. ومنهم من تساهل فأجاز كتابته بالرسم الإملائي، لأنه الرسم اصطلاحي، بل أوجبه على عوام الناس، لئلا يوقع في تغيير الجهال لكتاب الله. وهناك من توسط فقال: إن الرسم اصطلاحي، لكن يجب التزامه، ولا تجوز مخالفته، لأن إجماع الصحابة قد انعقد على ذلك وهذا ما رجحه الباحث. المبحث الثالث: الأحاديث المروية في العهد النبوي لكتابة القرآن: بدأ الباحث هذا المبحث بتوطئة، ركز فيها على أهمية دراسة المرويات، لمعرفة ما يصح منها وما لا يصح، وبين منهجه في دراسة الأسانيد، وأنها دراسة نقدية، وقد وعد بالتوسع في دراستها، وبيان حال رجالها. إضافة إلى تحليل المتن، متى ما احتاج إلى ذلك. ثم سرد أحد عشر حديثا: منها ستة صحيحة، واثنان حكم عليهما بالحسن، وثلاثة ضعفها. ـ[ولي مع هذا المبحث وقفات:]ـ ١ - لم نجد في دراسة الأسانيد ذاك التوسع الذي وعد به، وما نجده هو دراسة مختصرة جدا لظواهر الأسانيد، إضافة إلى عدم التوسع في جمع الطرق والروايات. ٢ - يبدأ الحديث في الغالب بقوله:حدثنا أو حدثني. وكأن الباحث هو الذي يرويه. وكان الأولى أن يقول مثلا: قال البخاري:حدثنا. ولم يخالف ذلك، إلا في الحديث السابع فقال "قال الديرعاقولي في فوائده: حدثنا" وفي الحادي عشر "قال الإمام النسائي: أخبرنا قتيبة". ٣ - لم يوفق في الحكم على إسناد الحديث الحادي عشر من وجهة نظري، فقد ترجم لرواته ثم قال "رجالها ثقات سوى يحيى بن حكيم فقد وثقه ابن حبان وقبله ابن حجر، فالحديث إسناده ضعيف" فتضعيفه غير منطقي، لأن ما ذكره لا يسوغ تضعيفه، علما بأن الحديث صححه ابن حبان والألباني.
الفصل الثاني: جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق. وفيه مبحثان: المبحث الأول: بيان كيفية الجمع ونتائجه. وقد عقد الباحث فيه ثلاثة مطالب: **المطلب الأول: فكرة الجمع وسببه. وهو ما حصل من مقتل القراء في حروب الردة، وكان بمشورة الفاروق ﵁، وهذا الجمع مغاير للجمع الذي حصل في عهد النبي ﷺ، بدليل تردد أبوبكر وزيد فيه، وقولهما:"كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله". **المطلب الثاني: لجنة جمع القرآن. ذكر أن الذي تولى هذا الجمع هو زيد بن ثابت رصي الله عنه، للخصال التي تميز بها وهي: ١ - كونه شابا، ليكون أنشط وأقوى فيه، وقد شبه نقل جبل من مكانه، بأنه أسهل عليه مما كلف به. ٢ - عاقلا، فيكون أوعى له. ٣ - لايتهم، فتركن النفس إليه. ٤ - كان يكتب الوحي على عهد الرسول ﷺ، فلديه الخبرة والممارسة الكافية لهذا العمل. ولعظم المهمة، فالباحث يعتقد أن بعض الصحابة قد وقف إلى جانب زيد في انجازها، خصوصا عمر ﵁ كما جاء في بعض الروايات. واستغرقت المهمة ما يقارب السنة، من بعد اليمامة إلى قبيل وفاة أبي بكر ﵁ حيث أودع عنده. ثُمَّ عدد الباحث ما امتاز به هذا الجمع من مميزات: من أهمها أن القرآن جمع في مصحف واحد، مرتب الآيات، قد حوى الأحرف السبعة التي نزل القرآن بها، وظفر بإجماع الأمة عليه. ـ[ولي تعليق على المدة التي جمع بها:]ـ فقد تمت في الفترة مابين حروب الردة في الأشهر الأخيرة من سنة١١هـ ووفاة الصديق في جمادى الآخرة سنة١٣هـ وهي فترة تمتد إلى سنة وأكثر من ستة أشهر ولا نستطيع الجزم بأحد هذين الأمرين دون الآخر: أنها استغرقت المدة كاملة أو استغرقت جزءا منها، لعدم وجود روايات تحدد ذلك ومتى ثبت شيء من ذلك كان المصير إليه، وما نستطيع الجزم به أنها لا تتجاوز السنة والنصف والله أعلم.
المبحث الثاني: روايات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق ﵁. أورد الباحث فيه سبع روايات منها: واحدة صحيحة، وأخرى حسنة، والباقية ضعيفة. ثم ذكر الروايات التي تشير إلى أن عمر وعلي ﵄ هما اللذان جمعا القرآن، وهي خمس روايات منها: اثنتان حكم على إسنادهما بالحسن وعلى متنهما بالنكارة، والبقية لا تصح أسانيدها. ثم أورد رواية منقطعة ضعيفة على أن الذي جمع القرآن هو سالم مولى حذيفة ﵁. ولو حكمنا بفرض صحة المرويات هذه، فهي محمولة على أن الذي أشار بالجمع هو عمر، لا أنه هو الذي نفذه. وما جاء عن علي فيحمل على أن المراد بجمعه:حفظه أو أنه ممن ساعد زيدا فيه، وأما سالم فقد ثبت أنه ممن قتل في حروب الردة، والجمع حصل بعده. وفي الجملة: فيحتمل أنهم جمعوا بعضه في صحف خاصة بهم، كما كان عليه أكثر الصحابة، لكنها لم تظفر بالتحري والتدقيق والإجماع الذي حصل في جمع أبي بكر ﵁. الفصل الثالث: جمع القرآن في عهد عثمانوفيه مبحثان: المبحث الأول: دوافع توحيد المصاحف ونسخها. وتحته خمسة مطالب: **المطلب الأول: كثرة الأسباب والدوافع. بين فيه الباحث أن من الأسباب التي حملت على جمع القرآن، اختلاف الناس في القراءة، حتى وصل الأمر أن كفر بعضهم بعضا، وقال:قراءتي خير من قراءتك. بالإضافة إلى جهل الجمهور الجديد، بنزول القرآن على سبعة أحرف، مما حمل حذيفة ﵁، على نقل ذلك الواقع المرير الذي شاهد جزءا منه، بين أهل العراق والشام، وهم على أطراف الجمهوريات الإسلامية يغازون في سبيل الله سنة ست وثلاثين، إلى أمير المؤمنين لتدارك هذه الظاهرة. **المطلب الثاني: ثمرة العمل واللجنة القائمة به. بين الكاتب فيه أن الجمع في عهد عثمان ﵁ اعتمد أساسا على جمع أبي بكر، بل رشح لتولي رئاسة المهمة، جامعه السابق زيد بن ثابت، ومعاونة أربعة نفر هم: ابن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث ﵃، ورسم الخليفة الراشد لهم منهج الجمع الذي يسيرون عليه، وأمرهم إذا اختلفوا في كتابة شيء، أن يكتبوه بلغة قريش، لأن القرآن نزل بلغتهم، وأشرف عليهم بشكل مباشر فيما يقومون به، وكانوا إذا تدارأوا في شيء أخروه، ورجعوا فيه إليه. وأمدهم بأعضاء - غير متفرغين - لمساعدتهم، أوصلهم ابن سيرين إلى اثني عشر رجلا. ثم بين الباحثين عدم اشتراك ابن مسعود فيها، وذلك لكونه كان بعيدا في الكوفة، ولأنه لم يكن من كتبة الوحي عند النبي ﷺ، وليس ممن جمعه في عهد أبي بكر، إضافة إلى خبرة زيد بن ثابت في هذا المجال، فهو إمام في الرسم، وابن مسعود إمام في الأداء ويكفي دليلا على ذلك أنه أخذ ٧٠ سورة من في رسول الله ﵇. ـ[ولي على هذا المطلب ملاحظة:]ـ وهي ما تكلف به الباحث، من الاستنباطات التي استنبطها من أسماء العشرة، اللذين رجح مشاركتهم في الجمع، وأنه روعي فيهم أن يكون النصف من قريش، وأربعة من الأنصار، وواحد من اليمن، ليكون التمثيل شاملا لقريش وللأنصار واليمن. وروعي فيه أن يكونوا من العرب الخلص، وواحد فقط من الموالي، ليتواجد فيه العرب، مع تمثيل للموالي. هذا الاستنباط لا أوافقه عليه أبدا، فالذي روعي في الاختيار هو الكفاءة وحدها، لا التمثيل الجغرافي أو العرقي. وإلا فبلاد الإسلام حين ذاك لا تكاد تغيب عنها الشمس، وفيها من العرقيات العدد الكبير، فلم لم يؤخذ من كل مصر؟ ومن كل عرق؟ فهذه الفروق قد تساموا عنها فلم يعبأوا لها أو يحفلوا بها. وليس من هذا أبدا تقديم الخليفة الراشد عثمان للغة قريش على غيرها حين الاختلاف، بل ذلك تقديم مبرر بينه ﵁ وهو كون القرآن نزل بلغتهم لا لشيء آخر.
**المطلب الثالث: عدد المصاحف التي تم نسخها. ذكر الباحث الخلاف في عدد المصاحف التي تم نسخها، ورجح أنها سبعة؛ ستة منها وزعت على الآفاق، واحتفظ أمير المؤمنين بواحد منها عنده، وتم إحراق ما سواها. ثم عرج الكاتب إلى الفروق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان ﵄ من حيث الدوافع أو النتائج. **المطلب الرابع: أقوال العلماء في معنى الأحرف السبعة ومناقشتها. وقد نقل فيه الكاتب قول ابن حبان:"أن العلماء اختلفوا فيها على ٣٥ قولا" وذكر السبب في ذلك وهو: أن روايات الحديث جاءت مجملة، لا تكشف صراحة عن حقيقة المراد. ثم أورد الباحث أربعة أراء في المراد بها، ورجح أنها سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد نحو:أقبل وتعال وهلم .. وأوضح أن المصحف العثماني ليس فيه إلا حرف واحد منها، واستدل بما أورده ابن جرير الطبري بقوله:" فلا قراءة للمسلمين اليوم إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية". **المطلب الخامس: ترتيب السور والآيات وعددها. تطرق فيه المؤلف إلى تعريف السورة. لغة واصطلاحا، وعدد سور القرآن الكريم، والخلاف في التوبة والأنفال؛ هل هما سورة واحدة أم سورتان؟ ورجح أنهما سورتان بإجماع من يعتد به. ثم تكلم على تقسيم سور القرآن بحسب الطول والقصر إلى: طوال ومئين ومثاني ومفصل. وبين كل قسم، وما يشتمل عليه من سور. ثم تكلم عن تعريف الآية، وعن الطريق إلى معرفتها وهو التوقيف، فلا مجال للقياس أو الاجتهاد فيها. ثم عرض الأقوال في تعداد آي المصحف، وسبب الاختلاف فيها، وهو أن النبي ﵇ كان يقف على رؤوس الآي تعليما لأصحابه، ثم يصلها حينا آخر مراعاة لتمام المعنى. وذكر الباحث الإجماع على أن ترتيب الآيات توقيفي، أما السور فرجح التوقيف أيضا مع الخلاف المشهور في ذلك. المبحث الثاني: روايات جمع القرآن في عهد عثمان. ذكر الباحث فيه أربعة عشر رواية منها: ستة صحيحة، واثنتان حسنتان، والستة الباقية ضعيفة. ـ[ولدي ملاحظة:]ـ حول الرواية الثانية، التي أوردها من صحيح البخاري عن زيد ﵁ قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف ... الحديث. فقد أوردها في الرواية الخامسة، من الفصل الأول في جمع أبي بكر الصديق، ولا أدري لم أعادها هنا! مع أنه لم يذكر شيئا جديدا فيها، وما علقه على هذه الرواية، بأنه لم يكن مصحف إلا في عهد عثمان ﵁. فغير صحيح إطلاقا. والرواية التي أوردها ترد عليه.
الفصل الرابع: شبهات حول القرآن. وفيه مبحثان: المبحث الأول: شبهات المستشرقين. أوردها في ٢٧ صفحة تعرض فيها لعشر شبه، قسمها على ثلاث مطالب، وأجاب عنها: **المطلب الأول: حول جمع القرآن في عهد النبي ﷺ. أورد فيه أربع شبه: ١ - أن في طريقة كتابة المصحف ما يدل على أنه قد سقط منه شيء لم يكتب. بدليل ما ورد في الصحيحين من رواية: "رحم الله فلانا لقد أذكرني كذا وكذا آية، من سورة كذا " وفي رواية "أسقطتهن". والجواب عنها: أن الرسول ﵇ قد حفظها قبل أن يحفظها ذلك الرجل، واستكتبها كتاب الوحي، وبلغها للناس. وجمهور المحققين كما ذكر ابن حجر على جواز النسيان عليه فيما طريقة التبليغ. لكن بشرطين: أنه بعدما يقع منه تبليغه. والآخر: أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكره إما بنفسه أو بغيره. ٢ - أن القرآن في عهد النبي ﷺ لم يكتب كاملا. بدليل ما جاء عن زيد "قبض رسول الله ولم يجمع القرآن في شيء". والجواب عنها: أن المراد لم يجمع في مصحف واحد، لما كان ينتظره ﵇ من الوحي، ومن النسخ، أما كتابته فشيء آخر، تم على أكمل وجه. ٣ - أن الكتابة لم تبدأ إلا في المدينة. وعليه فما نزل بمكة لم يحفظ. والجواب عنها: أنها دعوى عارية عن الدليل، بل هي مجرد تكهن وتخمين، وما أسلام عمر إلا بسبب قراءته رقعة كتب عليها سورة طه. ٤ - اضطراب وعدم ثبات النص القرآني. والجواب عنها: أنهم يعنون القراءات المتواترة، المقطوع بصحة نسبتها إلى رسول الله ﵇. وقد تم شرح المراد بالأحرف السبعة فلا داعي لإعادته. ثم إن المنصفين منهم أدركوا هذه الحقيقة وعرفوها فلم يكابروا، فهذا موريس بوكاي يقول:"صحة القرآن التي لا تقبل الجدل، تعطي النص مكانة خاصة بين كتب التنزيل، ولا يشترك مع نص القرآن في هذه الصحة، لا العهد الجديد ولا العهد القديم". **المطلب الثاني: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد أبي بكر. وقد أورد المؤلف فيه شبهتان: ١ - أن نصوص الوحي لم تفرز بشكل نهائي في عهد النبي ﵇ ولم تحفظ. والجواب: أنها فرية كبرى، وهي محض اختلاق وافتراء وكذب. لا تعتمد على منهج علمي متجرد، بل صادرة عن هوى وتحامل، فلا يلتفت إليها. ٢ - أن هدف الجمع كان مجرد رغبة شخصية من أبي بكر ثم عمر ﵄، بتملك نسخة من المصحف، حتى لا يكونوا أقل حالا من غيرهم. بدليل انتقاله لحفصة ﵂ على أنها ذمة مالية شخصية. والجواب عنها: أن الهدف النهائي من هذه الشبهة، هو إضفاء الشخصية والفردية على هذا الجمع، ليفتقد القرآن صفة التواتر المطلوبة. لكن أنى لهم ذلك! فالمصادر تشير إلى حفظ العمرين لكتاب الله تعالى عن ظهر قلب، وتلك لعمري منقبة أعظم. فما القيمة لنسخة من القرآن، عند رجلين جمعاه حفظا على عهد رسول الله ﷺ؟ ثم كيف ينتقل من أبي بكر إلى عمر وهو لا يرثه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم. **المطلب الثالث: شبهات المستشرقين حول جمع القرآن في عهد عثمان. وقد أورد فيه أربع شبه تقريبا: ١ - أنه لا يتضمن الوحي وحده، بل فيه من الإضافات التفسيرية والتذييلات قدرا لا بأس به. ٢ - أنه فرض على المسلمين بالقوة، وقد جابهوه بالمقاومة. ٣ - أن مصاحف الصحابة كانت تختلف معه، فلم يعتمد فيه عليها. والجواب: أنها افتراءات يتمحلها المستشرقين، محاولة منهم للتشكيك في القرآن الكريم. وأما الشبهة الأخيرة. فالجواب عنها: أن تلك المصاحف التي يقصدون، هي مصاحف شخصية لبعض الصحابة. ربما كتبوا فيها بعض التفسير. وفيها ما تلقوه ولم يعلموا بنسخه في العرضة الأخيرة. بدليل أن القراء الذين تلقوا قراءاتهم على أصحاب تلك المصاحف، لم ينقلوا عنهم قراءة تخالف ما يحتمله رسم المصحف الإمام الذي كتب في عهد عثمان، وحظي بإجماع الصحابة جميعا. المبحث الثاني: دراسة روايات في كتب أهل السنة يساء فهمها في صحة نقل القرآن. أورد فيه الباحث اثنا عشر حديثا وأثرا، منها نسخ آية الرجم، ونسخ عشر رضعات، وسورتي الخلع والحفد، وغيرها مما نسخت تلاوته، واستغله بعض الرافضة كالخوئي للطعن في القرآن، والقول بأن الصحابة كان يحذفون منه ما يريدون ويتركون ما يحبون. والجواب: أن نسخ التلاوة جائز عقلا، وواقع شرعا، بالأدلة الصريحة من كتاب الله تعالى، بل إن كبار علماء الشيعة اعترفوا بهذا النسخ، واستدلوا بهذه الآيات على أنها مما نسخت تلاوته، كأبي محمد الطوسي شيخ الطائفة والكليني في الكافي والمجلسي والطبرسي في تفسيره وغيرهم. والله أعلم. ـ[وأخيرا فلي ملاحظات عامة على البحث:]ـ الأولى: أن هذا البحث هو ممسك من علمين بطرف، هما: علوم القرآن والحديث. لكنه أقرب إلى الحديث ودراسة الأسانيد منه إلى علوم القرآن. وقد جاءت دراسة أسانيده والحكم عليها وتخريجها مختصرة جدا. وهذا يلحظه المتتبع لتلك المرويات، ولا يزال الميدان رحبا لمن يريد الخوض فيه. الثانية: ذكر الباحث ثلاث مراحل مر بها جمع القران وقد تابع فيها كثيرا ممن سبقه. وأرى - حسب وجهة نظري - أن هناك مرحلتان متقدمتان عليهما في الجمع لابد من ذكرهما لم يتعرض لهما ويمكن أن نستدل بهاتين المرحلتين على أن فيهما إشارة إلى مشروعية وأهمية الجمعين معا (الصدور والسطور): الأولى: حين نزل مجموعا إلى بيت العزة في السماء الدنيا كما صح ذلك عن ابن عباس ﵁. ولهذا الجمع فوائد منها: بيان أفضلية القرآن فهو يشترك مع الكتب السابقة في نزوله جملة واحدة ولا تفضل عليه فيها، ثم هو يتميز عنها بنزوله بعد ذلك منجما، فكان له النزولان جميعا. الثانية: جمعه في صدر النبي ﵇. وهي مرحلة سابقة لكتابة النبي ﵊ وحفظ الصحابة له، وقد دل على هذا الجمع قوله تعالى: "إن علينا جمعه وقرآنه" فهو جمع من الله تعالى له في صدر نبيه ﵇ منة من الله وفضلا بدون تعب من النبي ﵇ أو بذل جهد لحفظه، وتلك خاصية اختص بها دون سائر الأمة. وهاتان المرحلتان ليس للبشر فيهما يد. ثم جاءت المرحلة الثالثة بعد ذلك وهي جمعه ﵇ له في الصحف كتابة. الثالثة: بذل الباحث وفقه الله جهد مشكورا وطرق موضوعا رائعا جديرا بالبحث حاول أعداء الدين التسلل من خلاله للنيل من دستور المسلمين ومحاولة التشكيك فيه وقد وفق في عرض شبههم والجواب عنها بأجوبة قريبة يستوعبها كل من يطلع عليها. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،،
صفحه نامشخص
الإهداء
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩)
صدق الله العظيم
[سورة ص: الآية ٢٩]
1 / 3
الإهداء إلى من أشرقت بولادته شمس المعرفة لتخرج البشرية من الظلمات الى النور قدوتي وسيدي وحبيبي رسول الله محمد ﷺ.
إلى والدي العزيزين حفظهما الله من كل مكروه.
الى مشايخي الكرام أدامهم الله.
أهدي هذا الجهد برّا وصدقة جارية الباحث
1 / 5
شكر وتقدير
في بداية هذا البحث، أتقدم بالشكر الجزيل الى استاذي الفاضل الأستاذ الدكتور عمر محمود حسين السامرائي لإشرافه على بحثي، ولما بذله من جهد علمي، فله من الله الأجر ومني وافر التقدير.
وأتوجه بالشكر الجزيل الى الأستاذة الأفاضل رئيس لجنة المناقشة وعضويها الذين يتكرمون علي بقبول مناقشة هذا البحث وتقويمه.
كما لا يفوتني أن أسجل خالص شكري وتقديري للمسئولين على ادارة كل من مكتبة كلية الإمام الأعظم ومكتبة جامع الراوي وجامع الحاج محمد الفياض في الفلوجة لما لمسناه منهم من مساعدة.
وأشكر كل من تفضل علي باعارتي كتابا أو ارشاده الي من زملائي وأصدقائي.
ولا يفوتني أن أتقدم بشكري الوافر الى مكتب أم القرى لما بذله من خدمة ونصيحة، جزاهم الله عني خيرا .....
والله ولي التوفيق.
الباحث
1 / 7
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي نور بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، وأسكتت فصاحته الخطباء.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الذي خصه الله بجوامع الكلم وآتاه الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهديه إلى يوم الحساب.
أما بعد .. فإن أحق ما يشتغل به الباحثون، وأفضل ما يتسابق فيه المتسابقون، مدارسة كتاب الله، ومداومة البحث فيه، والغوص والبحث عن لآلئه والكشف عن علومه وحقائقه، وإظهار إعجازه، وتجلية محاسنه، ونفي الشكوك والريب عنه، فقد قال فيه ﷾: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) «١»، وورد في الأثر: (إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، ... فاتلوه، فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات.
أما إني لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) «٢».
_________
(١) سورة فصلت، الآيات (٤١ - ٤٢).
(٢) المستدرك على الصحيحين للحاكم، رقم الحديث (٢٠٤٠): ١/ ٧٤١، قال الحاكم:
حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه؛ وقال ابن كثير: وهذا غريب من هذا الوجه، ورواه محمد بن فضيل عن أبي إسحاق الهجري، واسمه إبراهيم بن مسلم، وهو أحد التابعين، ولكن تكلموا فيه كثيرا، وقال أبو حاتم الرازي:
لين ليس بالقوي. وقال ابن كثير: فيحتمل أن يكون وهم في رفع هذا الحديث، وإنما-
1 / 9
وورد أيضا: (هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه ...) «١».
والقرآن العظيم لا يدرك غوره ولا تنفد درره، وهو الكتاب الذي صلحت به الدنيا، وحول مجرى التاريخ، وأقام أمة كانت مضرب الأمثال في الإيمان والإخاء والعدل
والوفاء والوفاق والوئام، وأضل العالم بلواء الأمن والسلام حقبا من الزمن، وصير أمة البداوة- أهل الكرم والشهامة- إلى سادة الحضارة، فجعلهم علماء، حكماء، قادة في الحكم والسياسة، والسلم والحرب، عقمت الدنيا أن تجود بمثلهم، هذا الجيل الذي نال تكريما نبويا: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) «٢».
_________
- هو من كلام ابن مسعود، ولكن له شاهد من وجه آخر، والله أعلم. ينظر: فضائل القرآن لابن كثير: ١١.
(١) من حديث يرويه الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن، رقم الحديث (٢٩٠٦): ٥/ ١٧٢، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه- أي من حديث حمزة الزيات عن الحارث- وإسناده مجهول، وفي حديث الحارث مقال. كذا ذكره الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن، وتعقب كلام الترمذي بما يدل على اعتماده للحديث، قال ابن كثير: لم ينفرد بروايته حمزة بن حبيب الزيات، بل قد رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي عن الحارث الأعور على أنه وإن كان ضعيف الحديث، فلعله أن يكون من كلام أمير المؤمنين على ﵁. وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح، على أنه قد روي له شاهد عن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ وهو الحديث الذي تقدم-. ينظر:
فضائل القرآن لابن كثير: ١٠.
(٢) جزء من حديث في صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، رقم الحديث (٢٥٣٣): ٤/ ١٩٦٣.
1 / 10
وهو المعجزة العظمى، والحجة البالغة الكبرى الباقية على مر الدهر لرسول البشرية سيدنا المصطفى ﷺ، تحدى به الإنس والجن كافة أن يأتوا بمثله أو ببعضه، فباءوا بالعجز والبهر، قال عز شأنه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨) «١». فما أجدر الأعمار أن تفنى فيه، والأزمان أن تشتغل به.
وأشكر الله ﷾ على نعمته العظمى بأن حقق لي أملا كبيرا كان يملأ نفسي وهو أن أحيا في رحاب كتاب الله تاليا متدبرا، ودارسا متأملا، وذلك بعد أن تم اختياري لهذا الموضوع وبعد استخارة الله تعالى، واستشارة أهل العلم والفضل، وبعد موافقة لجنة الدراسات العليا في كلية العلوم الإسلامية مشكورة على هذا الموضوع الذي هو (جمع القرآن دراسة تحليلية لمروياته)، والذي شجعني على ذلك أكثر أن هذا الموضوع- بحسب علمي- لم تكتب فيه مسبقا رسالة جامعية، فوجدت في نفسي رغبة ملحة تدفعني إلى الكتابة فيه، خدمة لكتاب الله الذي فيه عزنا وسؤددنا وبه صلاح البلاد والعباد.
والبحث في هذا الموضوع له أهمية كبرى ولا سيما أنه يتعلق بالدراسات القرآنية في هذا العصر خاصة، عصر مواجهة التحديات وصراع العقائد والأفكار، والحرب على الإسلام والمسلمين قائمة على قدم وساق، وقد اختلطت الرايات وكثرت الشعارات، فما أحرانا أمة التوحيد أن نرفع راية القرآن التي لا تهزم، وأن نقاتل بسيف الإسلام الذي لا يثلم .. فقرآننا هو الحل الحتمي لمشكلات عصرنا.
فلا عجب أن نجد لدى الصدر الأول فمن بعدهم العناية الكبيرة والاهتمام الأكبر للقرآن الكريم على مر العصور والأزمان، منذ زمن الرسول ﷺ
_________
(١) سورة الإسراء: الآية (٨٨).
1 / 11
وإلى يومنا هذا، فحفظوا لفظه، وفهموا معناه، واستقاموا على العمل به، وأفنوا أعمارهم في البحث فيه، والكشف عن أسراره، ولم يدعوا درة من درره إلا وغاصوا لإخراجها، فألفوا في ذلك المؤلفات القيمة، فمنهم من ألف في تفسيره، ومنهم من ألف في رسمه وقراءته، ومنهم من ألف في محكمه ومتشابهه، ومنهم من ألف في مكيه ومدنيه، ومنهم من ألف في جمعه وتدوينه في الرقاع واللخاف والأكتاف، ثم في المصاحف، ومنهم من ألف في استنباط الأحكام منه. ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه، ومنهم من ألف في أسباب نزوله، ومنهم من ألف في إعجازه، ومنهم من ألف في مجازه، ومنهم من ألف في أمثاله، ومنهم من ألف في أقسامه، ومنهم من ألف في غريبه، ومنهم من ألف في إعرابه، ومنهم من ألف في قصصه، ومنهم من ألف في تناسب آياته وسوره.
وقد تبارى علماؤنا في هذا المضمار الفسيح، حتى زخرت المكتبة الإسلامية بميراث مجيد من تراث سلفنا الصالح، وعلمائنا الأعلام، وكانت هذه الثروة- ولا تزال- مفخرة نتحدى بها أمم الأرض، ونباهي بها أهل الملل في كل عصر ومصر.
وأضحت هذه العناية بحق أروع مظهر عرفه التاريخ لحراسة كتاب الله، الذي هو بحق سيد الكتب وأجلها، وأبعدها عن التحريف والتغيير، وبذلك هيأ الله الأسباب الكثيرة لحفظ كتابه، وهذا مصداقا لقوله ﷾: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) «١».
وقد بذلت جلّ اهتمامي في هذا البحث على دراسة المرويات التي تتعلق بكتابة القرآن وجمعه، وكذلك دراسة الروايات التي يساء فهمها في صحة نقل القرآن والرد على من حرف بزيادة أو نقصان، وقد اجتمع لديّ مائة رواية مع
_________
(١) سورة الحجر: آية (٩).
1 / 12
المكرر فيها، ثم عكفت على دراسة الأسانيد غير المكررة منها، فكانت تسعا وأربعين رواية ما عدا ما تفرع منها من أسانيد، وقد كلفني هذا جهدا كبيرا ووقتا طويلا.
أما أهم المصادر التي اعتمدت في هذا البحث بعد كتاب الله تعالى فمتعددة. ففي الحديث: الصحيحان- البخاري ومسلم وشروحهما، وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي
وبعض السنن الأخرى، وكذلك كتب التفسير والتاريخ والتراجم وعلوم القرآن، لعل كتاب المصاحف لابن أبي داود هو خير معين لي في جمع المرويات ودراستها، لأنه احتوى على أغلبها.
ومراجع أخرى حديثة لها علاقة بالبحث من كتب الشيعة وكتب المستشرقين وغيرها. أما خطة البحث فكانت قائمة على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة:
أما الفصل الأول فهو: كتاب القرآن في عهد الرسول ﷺ، وفيه: تمهيد وثلاثة مباحث.
وأما الفصل الثاني فهو: جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي عند الله، وفيه مبحثان.
وأما الفصل الثالث فهو: نسخ القرآن في عهد عثمان بن عفان ﵁، وفيه مبحثان.
وأما الفصل الرابع فهو: شبهات حول جمع القرآن، وفيه مبحثان أيضا.
أما الخاتمة فقد ذكرت فيها أهم نتائج البحث التي توصلت إليها.
وهذا جهدي أضعه بين يدي القارئ الكريم لعلي أكون قد رسمت الصورة المثلى لهذا الموضوع الكريم، وأسأله تعالى أن يتقبل مني هذا العمل، ويرزقنا الإخلاص في القول والفعل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 / 13
الفصل الأول كتابة القرآن في عهد الرسول ﷺ
وفيه تمهيد وثلاثة مباحث:
التمهيد: التعريف بالقرآن وجمعه في الاصطلاح واللغة.
المبحث الأول: جمعه في الصدور.
المبحث الثاني: جمعه في السطور.
المبحث الثالث: الأحاديث المروية في العهد النبوي لكتابة القرآن.
1 / 15
التمهيد وفيه: التعريف بالقرآن وجمعه في اللغة والاصطلاح
١ - تعريف القرآن في اللغة والاصطلاح:
إن الله ﷾ يريد أن يعرفنا بكلامه العظيم في كتابه الكريم.
وأن نلاحظ الحياة المباركة فيه، وأن نعيش هذه الحياة في ظلاله .. والإقبال على كتابه الكريم، والذي حمل شريعة الإسلام، ما معناه في لسان العرب؟ هل هو اسم مشتق أو جامد؟ وإذا كان مشتقا فأي نوع من المشتقات؟
وقع خلاف كثير بين العلماء في الإجابة على هذه الأسئلة، ونحن نجمل القول فيها ونقول:
تعريف القرآن لغة:
لقد ذهب العلماء في لفظ (القرآن) مذاهب، فهو عند بعضهم غير مشتق، وغير مهموز، وعند بعضهم مشتق ومهموز، فممن رأى أنه بغير همز:
الشافعي، والفراء، وابن كثير «١».
_________
(١) أ- الشافعي: هو محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع أبو عبد الله المطلبي القريشي، ينسب إليه المذهب الشافعي (ت ٢٠٤ هـ). ينظر: طبقات الفقهاء للشيرازي: ٢/ ٦٠؛ وتذكرة الحفاظ للذهبي: ١/ ٣٦١.
ب- الفراء: هو أحد نحاة الكوفة وأئمتها المشهورين في اللغة، واسمه يحيى بن زياد الديلمي، ويكنى أبا زكريا، (ت ٢٠٧ هـ). ينظر: طبقات النحويين واللغويين لأبي بكر محمد بن الحسين الزبيدي: ١٤٣؛ وفيات الأعيان لابن خلكان: ٢/ ٢٢٨؛ وسير أعلام النبلاء للذهبي: ١٠/ ١١٩.
ج- ابن كثير: هو أبو معبد عبد الله بن كثير بن عمر بن زادان، وكان إمام الناس في القراءة بمكة، لقي من الصحابة: عبد الله بن الزبير وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك ﵃. (ت ١٢٠ هـ). ينظر: تاريخ القرآن للزنجاني: ٨١.
1 / 17
يقول الشافعي: إن لفظ القرآن المعرف ب (ال) ليس مشتقا ولا مهموزا، بل ارتجل ووضع علما على الكلام المنزل على النبي محمد ﷺ، ف (القرآن) عند الشافعي لم يؤخذ من قرأت، ولو أخذ من قرأت كان كل ما قرئ قرآنا، ولكنه مثل التوراة والإنجيل «١».
ويقول الفراء: إنه مشتق من القرائن جمع قرينة، لأن آياته يشبه بعضها بعضا، فكأن بعضها قرينة على بعض، وواضح أن النون في قرائن أصلية «٢».
وممن رأى أن لفظ (القرآن) مهموز: الزجاج «٣»، واللحياني «٤»، وآخرون.
يقول الزجاج: إن لفظ (القرآن) مهموز على وزن فعلان، مشتق من القرء بمعنى الجمع، ومنه قرأ الماء في الحوض إذا جمعه، لأنه جمع ثمرات الكتب السابقة «٥».
ويقول اللحياني: إنه مصدر مهموز بوزن الغفران، مشتق من قرأ بمعنى [تصوير]
_________
(١) لسان العرب لابن منظور، مادة (قرأ): ٣/ ٤٢؛ والإتقان للسيوطي: ١/ ١١٢.
(٢) المصدران السابقان: ٣/ ٤٢، ١/ ١١٢؛ وينظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم، محمد أبو شهبة: ١٩؛ ومباحث في علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح: ١٨.
(٣) الزجاج: هو إبراهيم بن السري ويكنى بأبي إسحاق، صاحب كتاب معاني القرآن، (ت ٣١١ هـ). ينظر: إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي: ١/ ١٦٣؛ وسير أعلام النبلاء: ١٤/ ٣٦٠.
(٤) اللحياني: هو أبو الحسن علي بن حازم اللغوي المشهور، (ت ٢١٥ هـ). ينظر:
الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: ١/ ١١٢؛ ومباحث في علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح: ١٩.
(٥) ينظر: البرهان للزركشي ١/ ٢٧٨؛ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ١/ ١١٣؛ ومناهل العرفان للزرقاني: ١/ ١٤؛ والمدخل لدراسة القرآن الكريم، محمد أبو شهبة:
١٩؛ ومباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح: ١٩؛ والمدخل في فقه القرآن، د.
فرج توفيق: ١١.
1 / 18
تلا، سمي به المقروء تسمية للمفعول بالمصدر «١».
وقال الزرقاني: (أما لفظ القرآن: فهو في اللغة مصدر مرادف للقراءة. ومنه قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) «٢»، ثم نقل من هذا المعنى المصدري وجعل اسما للكلام المعجز المنزل على النبي ﷺ من باب إطلاق المصدر على مفعوله، ذلك ما نختاره استنادا إلى موارد اللغة وقوانين الاشتقاق ...، فلفظ قرآن مهموز، وإذا حذف همزه فإنما ذلك للتخفيف، وإذا دخلته (ال) بعد التسمية فإنما هي للمح الأصل لا للتعريف) «٣». وهذا هو الرأي الراجح، والله أعلم.
تعريف القرآن اصطلاحا:
إن القرآن الكريم يتعذر تحديده بالتعارف المنطقية ذات الأجناس والفصول ولكن نقول: (هو ما بين هاتين الدفتين)، أو نقول: هو (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ..... إلى قوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) «٤».
ولذلك اختلف العلماء في تعريفه. فمنهم من أطال في التعريف وأطنب بذكر جميع خصائص القرآن، ومنهم من اختصر وأوجز، ومنهم من اقتصد وتوسط، وأقرب هذه التعريفات وأشملها أن يقال فيه: (إنه الكلام المعجز المنزل على النبي ﷺ، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته) «٥»، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس.
وهذا الذي أرجحه وأميل إليه لكونه أجمع وأشمل.
_________
(١) ينظر: الإتقان للسيوطي: ١/ ١١٣؛ ومناهل العرفان: ١/ ١٤.
(٢) سورة القيامة، الآيتان (١٧ - ١٨).
(٣) مناهل العرفان للزرقاني: ١/ ١٤.
(٤) ينظر: مباحث في علوم القرآن لمناع القطان: ٢٠؛ ومناهل العرفان: ١/ ٢١.
(٥) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ١٩؛ والمدخل لدراسة القرآن الكريم، محمد أبو شهبة:
٢٠؛ والمدخل في فقه القرآن: ١٥.
1 / 19
٢ - تعريف الجمع في اللغة والاصطلاح:
ففي اللغة يقال للجمع: جمع الشيء عن تفرقه يجمعه جمعا وجمعه وأجمعه، فاجتمع، واستجمع السيل: أي اجتمع من كل موضع، وأمر جامع يجمع الناس، وفي التنزيل: وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ... «١».
وكما جاء في قول النبي ﷺ: (أوتيت جوامع الكلم) «٢»، وفي صفته ﷺ:
أنه كان يتكلم بجوامع الكلم: أي أنه كان كثير المعاني، قليل الألفاظ «٣».
أما في الاصطلاح: فكلمة جمع القرآن تطلق تارة ويراد منها حفظه واستظهاره في الصدور. ومنه قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) «٤».
وتطلق تارة أخرى ويراد منها كتابته كله حروفا وكلمات وآيات وسورا. فهذا جمع في الصحائف والسطور، وذاك جمع في القلوب والصدور «٥».
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: (يراد جمعه- أي القرآن الكريم- جمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها، ويراد به: جمع ما نسخ منه بعد تلاوته. وما لم ينسخ، ويراد به: تلقيه من رسول الله ﷺ بلا واسطة، ويراد به كتابته) «٦».
_________
(١) سورة النور: الآية (٦٢).
(٢) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم (٥٢٣): ١/ ٣٧١.
(٣) لسان العرب، مادة (جمع): ١/ ٤٩٨.
(٤) سورة القيامة، الآية (١٧).
(٥) ينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: ١/ ١٢٦؛ ومناهل العرفان: ١/ ٢٣٩؛ والجمع الصوتي الأول للقرآن للدكتور لبيب السعيد: ٣١؛ والكلمات الحسان في الحروف السبعة وجمع القرآن للشيخ محمد نجيب المطيعي الحنفي: ٦؛ ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان: ١٨.
(٦) ينظر: الإتقان: ١/ ١٥٥؛ ومباحث علوم القرآن، د. صبحي الصالح: ٦٥.
1 / 20
المبحث الأول جمعه في الصدور
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: كيفية تلقي الرسول ﷺ القرآن:
كان رسول الله ﷺ مولعا بالوحي، يترقب نزوله عليه بشوق، فيحفظه، ويفهمه. وإن الكيفية التي كان ينزل بها الملك جبريل ﵇ على النبي ﷺ بالقرآن من الأمور الغيبية التي لا تعرف إلا عن طريق القرآن أو الحديث الصحيح عن النبي ﷺ؛ لأن التلقي عن الله مباشرة ليس في مستطاع الإنسان، فلا يمكن أن يتحقق إيصال المعرفة الإلهية إلى البشر إلا بأحد الطرق الثلاثة «١» التي أشار إليها القرآن الكريم، كما في قوله تعالى:* وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) «٢».
معنى الوحي في اللغة والشرع:
أما في اللغة: فقد قال ابن منظور: هو إعلام في خفاء، ولذلك صار الإلهام يسمى وحيا «٣». وقال الراغب الأصفهاني: أصل الوحي الإشارة السريعة «٤». وإن السرعة والخفاء من سمات الوحي ومزاياه. وقال الآلوسي:
_________
(١) ينظر: الإتقان في علوم القرآن: ١/ ٩٨؛ ومحاضرات في علوم القرآن، د. غانم قدوري: ٣٠.
(٢) سورة الشورى، الآية (٥١).
(٣) ينظر: لسان العرب لمحمد بن منظور الإفريقي المصري، مادة (وحي): ٤/ ٢٠٠.
(٤) ينظر: المفردات في غريب القرآن: ٨٥٨؛ وينظر: تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدي: ١٠/ ٣٨٤.
1 / 21
الوحي أصله التفهيم، وكل ما فهم به شيء من الإلهام والإشارة والكتب فهو وحي «١».
أما الوحي في الشرع: فقد قال الأنباري: إنما سمي وحيا لأن الملك أسره على الخلق وخص به النبي ﷺ الذي بعثه الله إليه «٢». والوحي بمعنى آخر:
هو كلام الله تعالى المنزل على نبي من أنبيائه والذي يلقيه الله إلى ملائكته من أمر ليفعلوه، كما قال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ... «٣».
وقال الزرقاني: الوحي هو أن يعلم الله تعالى من اصطفاه من عباده كل ما أراد اطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم، ولكن بطريقة سوية خفية غير معتادة للبشر «٤».
وزبدة القول ... إن الوحي شرعا: إلقاء الله الكلام أو المعنى في نفس الرسول أو النبي بخفاء وسرعة بملك أو بدون ملك «٥».
وقد بين النبي ﷺ الكيفية التي يلقي بها الملك الوحي إليه، وشهد الصحابة ﵃ حالة النبي ﷺ لحظة التلقي ووصفوها، فمن ذلك ما رواه ابن سعد في طبقاته والإمام أحمد في مسنده عن عبادة بن الصامت ﵁: أن النبي ﷺ كان إذا نزل عليه الوحي كرب له «٦».
_________
(١) ينظر: روح المعاني للآلوسي: ٢٧/ ٥٢.
(٢) ينظر: لسان العرب: ٤/ ٢٠٠؛ تاج العروس: ١٠/ ٣٨٤ - ٣٨٥؛ مختار الصحاح:
٧١٣.
(٣) سورة الأنفال، الآية (١٢)؛ وينظر: مباحث في علوم القرآن لمناع القطان: ٣٣.
(٤) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٦٣.
(٥) ينظر: كتاب وحي الله للدكتور حسن ضياء عتر: ٩٠.
(٦) مسند الإمام أحمد، حديث عبادة بن الصامت ﵁، حديث رقم (٢٢٧٥٥):
1 / 22
ولا يدع رسول الله ﷺ مجالا للشك في شدة يقظته ووعيه في لحظة تلقي القرآن من جبريل، كما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه،
(عن عائشة أم المؤمنين ﵂: أن الحارث بن هشام ﵁ سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله ﷺ: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشد علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا، فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة ﵂: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا) «١».
فكانت همته ﵊ بادئ ذي بدء بعد انقطاع الوحي منصرفة إلى أن يحفظه ويستظهره، ثم يقرؤه على الناس على مكث ليحفظوه ويستظهروه «٢»، فقد كان رسول الله ﷺ يتعجل- في بادئ الأمر- في حفظ القرآن، فيسابق جبريل ﵇ وهو يلقي إليه القرآن ساعة الوحي، فيردد الآيات قبل أن ينتهي الملك من الوحي مخافة أن ينسى منه شيئا، وكان ذلك مما يشق عليه ﷺ، فجاء القرآن يطمئنه في أول الطريق، وينهاه عن تلك العجلة، فقال تعالى: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي
_________
- ٥/ ٣١٧.
(١) صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى الرسول ﷺ، حديث رقم (٢): ١/ ٤.
(٢) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٢٤٠؛ ومباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح: ٢٨؛ والوحي وإفك المفترين، مقال للدكتور قحطان عبد الرحمن الدوري، في مجلة الرسالة الإسلامية، العددان: ١٢١، ١٢٢، محرم وصفر ١٣٩٩ هـ.
1 / 23
عِلْمًا «١».
وجاءت آيات أخرى تؤكد أن حفظ القرآن مكفول للنبي ﷺ، قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) «٢».
وكانت ثمرة ذلك التمكين لحفظ القرآن، وهذه المدارسة له بين رسول الله ﷺ وجبريل ﵇ أن حفظ رسول الله ﷺ القرآن حفظا لا حظ للنسيان فيه. كما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري عن ابن عباس ﵄ إذ يقول: (كان رسول الله ﷺ أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) «٣». قال مجاهد: (كان رسول الله ﷺ يتذاكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى، فقال الله ﷿: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦» «٤».
فقرأ رسول الله ﷺ القرآن على أصحابه، فكان بعضهم يكتبونه وآخرون يحفظونه، وأدوه إلى من جاء بعدهم من أجيال المسلمين، وظل القرآن محفوظا كما تلقاه الصحابة من رسول الله ﷺ حتى يومنا هذا، وعن عبد الله بن مغفل ﵃ أنه قال: (رأيت رسول الله ﷺ يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح) «٥».
_________
(١) سورة طه، الآية (١١٤).
(٢) سورة القيامة، الآيات (١٦ - ١٩).
(٣) صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب أجود ما كان النبي ﷺ يكون في رمضان، حديث رقم (١٨٠٣): ٢/ ٦٧٢؛ وينظر: فضائل القرآن لابن كثير: ٤٤.
(٤) سورة الأعلى، الآية (٦)؛ وينظر: تفسير مجاهد: ٧٥٢؛ ومحاضرات في علوم القرآن، د. غانم قدوري: ٣٧.
(٥) صحيح مسلم، كتاب فضائل القرآن وما يتعلق به، باب ذكر قراءة النبي ﷺ سورة
1 / 24
وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود ﵃ أنه قال: (قال لي النبي ﷺ:
اقرأ علي، قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم. فقرأت سورة النساء) «١».
المطلب الثاني: كيفية تلقي الصحابة ﵃ القرآن وحفظه
شهد الصحابة ﵃ رسول الله ﷺ وهو يوحى إليه، وحدثهم ﷺ عن بدء الوحي وأحواله، فاستبانت من خلال ذلك كله خصائص الوحي، واستقر في أفئدتهم علم اليقين بأن هذا هو وحي الله العظيم إلى نبيه الكريم سيدنا محمد ﷺ.
فالصحابة ﵃ هم من قوم قد تمرنوا على الحفظ عبر مئات السنين، وكانوا يفتخرون بقوة حافظتهم، وجودة ملكتهم.
والقرآن الكريم نزل في مدة بلغت ثلاثا وعشرين سنة، وكانوا كلما نزلت آية مفردة أو آيات، حفظتها الصدور ووعتها القلوب، وكان كتاب الله في المحل الأول من عناية صحابة رسول الله ﷺ به، حيث كانوا يتنافسون في استظهاره وحفظه، ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه ويتفاضلون فيما بينهم على مقدار ما يحفظون منه، وربما كانت قرة عين السيدة منهم أن يكون مهرها في زواجها سورة من القرآن يعلمها إياها زوجها. وكانوا يهجرون لذة النوم وراحة الهجود إشارة للذة القيام به في الليل، والتلاوة له في الأسحار، والصلاة به
_________
- الفتح يوم فتح مكة، رقم الحديث (٧٩٤): ١/ ٥٤٧.
(١) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيدًا (٤١)، رقم الحديث (٤٣٠٦): ٤/ ١٦٧٣.
1 / 25
والناس نيام، حتى لقد كان الذي يمر ببيوت الصحابة في غسق الدجى يسمع فيها دويا كدوي النحل بالقرآن، وكان الرسول ﷺ يذكي فيهم روح هذه العناية بالتنزيل يبلغهم بما أنزل إليه من ربه، ويبعث إلى من كان بعيد الدار منهم من يعلمهم ويقرئهم. كما بعث مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى أهل المدينة قبل هجرته ﷺ يعلمانهم الإسلام، ويقرءانهم القرآن، وكما أرسل ﵊ معاذ بن جبل ﵁ إلى مكة بعد هجرته للتحفيظ والإقراء «١».
قال عبادة بن الصامت ﵁: (كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي ﷺ إلى رجل منا يعلمه القرآن، وكان يسمع لمسجد رسول الله ﷺ ضجة بتلاوة القرآن حتى أمرهم رسول الله ﷺ أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا) «٢».
وجاء في الأثر عن عبد الله بن حبيب، أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال:
(حدثنا الذين كانوا يقرءوننا كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل معا) «٣».
وجاء في الحديث الصحيح: أن النبي ﷺ قال لأبي بن كعب: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال: آلله سماني؟ قال: نعم، وقد ذكرت عند رب العالمين، قال: وذرفت عيناه واشتهر بين الناس بأن أبيّ أقرؤكم) «٤».
_________
(١) ينظر: السيرة النبوية لابن هشام: ٢/ ٧٦؛ وحياة الصحابة للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي: ١/ ١١٦ - ١١٧؛ ومناهل العرفان للزرقاني: ١/ ٢٤١؛ ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان: ١١٩؛ وعلوم القرآن والتفسير، د. محسن: ٩.
(٢) ينظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني: ١/ ١٠٧؛ ومناهل العرفان: ١/ ٢٤١.
(٣) مسند الإمام أحمد، حديث رجل من أصحاب النبي ﷺ، حديث رقم (٢٣٥٢٩):
٥/ ٤١٠.
(٤) صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة ﵃، باب مناقب أبي بن كعب
1 / 26