ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم"، وفي لفظ: "وتهلككم كما أهلكتهم".
والحاصل أن الحديث صحيح بهذه الشواهد، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في فوائده:
١ - (منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان وجوب اتباع سنة رسول الله ﷺ، فهي ملته التي ترك أمته عليها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
٢ - (ومنها): أن فيه عَلَمًا من أعلام النبوة، حيث أخبر ﷺ بأن أمته ستفتح لها الدنيا بحذافيرها، وتصبّ عليها صب الماء المنهمر، وينغمسون فيها، فتستولي على قلوبهم؛ إلا من عصمه الله تعالى بالتقوى والورع.
٣ - (ومنها): التحذير عن الاغترار بالدنيا، والانخداع لها، والتنافس فيها، وقد أخرج الشيخان في "صحيحيهما" من حديث عمرو بن عوف الأنصاري ﵁ أن رسول الله ﷺ بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين، يأتي بجزيتها، وكان رسول الله ﷺ هو صالح أهل البحرين، وأَمّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافت صلاة الصبح مع النبي ﷺ، فلما صلى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله ﷺ حين رآهم، وقال: "أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء؟ "، قالوا: أجل يا رسول الله، قال: "فأبشروا، وأمّلوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها، كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم".
وأخرجا أيضًا من حديث عقبة بن عامر ﵁ أن رسول الله ﷺ، خرج يوما، فصلى على أهل أُحُد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: "إني فرطكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن