العقد الثمين
العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين
ژانرها
وروينا عن أبينا صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من قضيت له بما ليس له فلا يقل أعطاني رسول الله، فإنما أقطع له قطعة من النار، وإنما أنا بشر أحكم بما أسمع، وقد يكون أحد الخصمين ألحن بحجته فأقضي بالحق له و[هو](3) عليه))(4) فكان هذا أكبر دليل على أن الإمام والحاكم يحكم بالظاهر ولايتعبد بما وراءه، فإذا جاز ذلك في الإمام فهو في سائر المكلفين أولى بالجواز، لأن تعبدهم تبع لتعبده، وتمكنه من العلم أكثر من تمكنهم، فإن قال إنه قائم مقام النبي فيجب أن يكون معصوما مثله.
قلنا: غير مسلم ذلك من كل وجه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعبد بنسخ شرائع قد ورد العلم بوجوب العمل بها، فلا بد من معجز وعصمة، بخلاف الإمام قائما(1) ينفذ أحكام شريعة معلومة ومستقرة، فلو أراد زيادة شيء أو نقصانه سقط وجوب اتباعه، ولزم الأمة إنكاره، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم متى أمرهم بترك المفروض صار محظورا، فلو وجب عصمته لإنفاذ الأحكام المستقرة لوجب اعتبار عصمة الأمراء والقضاة، ومعلوم خلافه.
ومما احتجوا به قالوا: إن الله تعالى يختاره بأن ينص على عينه كما قلنا، أو على صفته كما قلتم، ولا يجوز أن يختار فاسقا ولا منافقا.
قلنا لهم: وذلك قولنا، ويكفي أن يكون مؤمنا في ظاهر الحال، لأنا لم نتعبد في أمره إلا بالظاهر، كما فعل الإمام في اختيار الوالي والقاضي لأن الله تعالى تعبده بأن لا يولي القضا الفاسقين، فمتى سلم له ظاهره كان قد أدى ما يجب عليه، وقد أمرنا [الله](2) تعالى بالصلاة إلى الكعبة، فإن تحرينا وأخطأنا فقد أدينا ما يجب علينا، كذلك في الإمام تعبدنا أن نجيب من أهل بيت النبوة من اتصف بصفات قد ذكرناها، وهي معلومة أعني خصال الإمامة، فإن اجتهدنا في ذلك وأخطأنا في مثل ما يجوز فيه اللبس، عذرنا مما تغيب عنا في أمره، وفي مقدور الباري [سبحانه](3) تعالى أن ينصب عمود نور على الكعبة حرسها الله من السماء إلى الأرض ويرفع بيننا وبينه الموانع فلا نخطي عينها لهذا، فلما تعبدنا بما أمكننا تأديته علمنا أنه لا يلزمنا ما وراء الظاهر.
صفحه ۱۵۰