العقد الثمين
العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين
ژانرها
بل جحدتم انتم ما تعلمون خلافه ضرورة، من عدم النص وبطلان التواتر على ما أدعيتم فإن احتججتم بكثرة عددكم وتباين دياركم وتعذر التواطئ بينكم لصحة ما الزمتموه خصمكم، ليمكنه القلب عليكم ويقول: نحن أكثر منكم أعدادا والتباين بلادا ونحن نعلم خلاف ما ادعيتم العلم به، ولا يجوز على مثلنا التواطئ على إنكار علم الضروريات، كما قلتم لا يجوز على مثلكم التواطئ على إثبات ما لا أصل له من النصوصات، فأي الفريقين أولى بالصواب والحجة إن انقيد للأدلة المعلومات، وإن قالوا نعلم بالإستدلال وليس ذلك من قولهم، قيل(1) لهم هاتوا الأخبار التي تدعون بها صحة ما ذهبتم إليه من النص على أعيان الأئمة وأسمائهم عليهم السلام، فإن ذكروا ما في كتبهم، قلنا لهم هذه أخبار لم تبلغ أحكام الآحاد التي قدمنا شروط(2) قبولها في باب العمل في صدر كتابنا هذا، فكيف تدعون أنها توصل إلى العلم؟ ولئن صحت لكم دعوى ذلك، ليصحن لأهل كل ضلالة ماهم عليه، فما به فرقة إلا وقد روت لتصحيح ما هي عليه آثارا كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما به شيء يطعن به(3) الإمامية عليهم إلا ويمكن أولئك الطعن على الإمامية بمثله، هذه (البكرية) روت أخبارا كثيرة لايمكن ذكرها في هذا الكتاب لميلنا إلى الإختصار ومن طلبها وجدها في كتب المقالات والأصول وهي عندنا بحمدالله مدونة كثيرة في النص على إمامة أبي بكر، وإنه يعلم ضرورة وبعضهم يجعلها استدلالية، ولكل ما ذهبوا إليه من الجبر والقدر والشفاعة لأهل المعاصي وخروج أهل النار، من النار، وقدم القرآن وإثبات التشبيه المتعالي عنه رب العباد، حتى أنهم بوبوا التشبيه أبوابا، باب العين، باب اليد، باب الجنب، باب القدم، ورووا في ذلك أخبارا كثيرة، تعالى الله عما يقولون، فلا حجة لنا عليهم في ذلك كله، إلا أنا نقول هذه أخبار آحاد ولا يمكنكم فيها ادعاء التواتر، لأنكم وإن كثرتم اليوم، وتباينت دياركم فهي ترجع في الأصل إلى عدد يسير، وهي ترجع إلى باب الإعتقاد، ويجوز على العدد اليسير التواطئ على الكذب والسهو والغلط، ولا بد في الإخبار التي توجب العلم الإستدلالي من أن تساوي أطرافها وأوساطها من غاياتها، حتى يكون الناقل لذلك الخبر في كل وقت وفي كل قرن إلى أن يتصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كثرة، لا يجوز على مثلهم التواطئ على الكذب ولا السهو ولا الغلط، وهذا أمر لا يمكن الإمامية تصحيحه، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، على أن علماءهم وأهل التحصيل منهم سلكوا مسلكنا في الإستدلال على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بخبر الغدير والمنزلة، وأعرضوا عن هذه الترهات التي لا تقبلها العقول السليمة، من آفات الإلف، والعادات، والأغراض الفاسدات، وعوارض شبه الجهالات، وفتنة تمويه أهل الضلالات، ومحبة تقليد الآباء والأمهات، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه))(1)، وكما قال تعالى حاكيا عن أهل النار: {ياويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني..} الآية [الفرقان:28،29]، وكما قال تعالى: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب}[البقرة:166] لأن ما ذكروا من الآثار، التي أنهوها إلى النبي المختار، لو كان دينا لله تعالى لوجب أن يوصله إلينا، ليلزمنا حجته، {ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم}[الأنفال:42] بأي سبب شاء الله سبحانه وتعالى، إما بأن يضطر إلى العلم به كما علمنا أصول الشرائع جملة، ولو سئلنا عن الطريق لما أمكنتنا الإجابة إلا على أنا نعلم ذلك ضرورة ويعلمه كل مسلم، ولا يمكن أحدا من المسلمين إنكاره ولا دعوى الجهل به، لو قال بعض المسلمين: لم يحجج(1) النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفره المسلمون، ولم ينصبوا عليه دليلا إلا علمه بذلك، أو قال بعضهم: ولم يرد في شرعه التعبد بالصلاة ولا الزكاة ولا علم من دينه أن هذا القرآن كلام الله، وكما نقول في خبر الغدير وخبر المنزلة إن أحدا من المسلمين لم يتمكن من النزاع في ثبوتهما من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كانا دون ما تقدم، وإما بأن يجعل لنا طريقا إلى العلم بالدليل ويمكننا من الإستدلال، ولولا أن شرعة أهل العلم في كل خبر يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يطالب بتصحيحه أم لا، فمتى صح وقع النزاع في معناه، إما بأن يحمل على ظاهره، وإما بأن يتأول بما لا يخرج عن طريقة أهل العلم بأن يحمل على ما يصح من وجوهه دون ما يفسده، فإن عارض الكتاب المعلوم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة أنه كلام الله تعالى، والسنة المعلومة التي يعلم المسلمون ضرورة أنها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتوابعهما، قطع بأنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لم يمكن حمله على وجه صحيح وعارض من كل وجه ؛ لأن الله تعالى يقول في محكم كتابه: {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}[الطلاق:7] فكيف يكلفنا هذه النصوص ولم يؤتنا إياها ويقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}[البقرة:286] وليس في وسعنا العلم بهذه الأخبار التي رووها لأنا عرفنا أحكام الأخبار ورويناها وطلبناها أشد الطلب، وكانت أخبارهم من جملة ما رووه فلا يمكنهم إيصالها في الأصل إلا إلى شخوص معينة قليلة، ولا يمكنهم تصحيح أحوال رجالها منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل يقع فيهم المجهول والمطعون ويكفي أن يكون رجلا واحدا مجهولا أو مطعونا كما قدمنا، ولأن الإمامية في الأصل هم الشخوص الأربعة(1) الذين عيناهم في أول كتابنا ولا سلف لهم، ودعواهم على أفاضل أهل البيت عليهم السلام مستحيلة، لأنا قد روينا عليهم خلاف ما روت الإمامية، وليس بأن تصح رواياتهم وتبطل روايتنا أولى من العكس، فلا يرجعون إلا إلى التقية وسنتكلم عليها كما وعدنا.
صفحه ۱۴۱